ثم بالليل للنسخ والمعارضة، فلم نتفرغ نصلح شيئاً. وكان معي رفيق خراساني أسمع كتابه، ويسمع في كتابي؛ فما أكتب لا يكتب، وما يكتب لا أكتب. فغدونا يوماً إلى مجلس بعض الشيوخ، فقال: هو عليل، فرجعنا، فرأينا في طريقنا حوتاً يكون بمصر، يشق جوفه، فيخرج منه أصغر، فأعجبنا، فلما صرنا إلى المنزل حضر وقت مجلس بعض الشيوخ، فلم يمكنا إصلاحه، ومضيا إلى المجلس، فلم يزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام كاد أن يتغير، فأكلناه نيئاً.
فقيل له: كنتم تعطونه لمن يشويه، ويصلحه، قال: من أين كان لنا فراغ!؟ وكان لعبد الرحمن ثلاث رحلات: رحلة مع أبيه في سنة حج؛ سنة خمس وخمسين، وست وخمسين، والرحلة الثانية بنفسه إلى مصر ونواحيها، والشام ونواحيها، في الستين ومائتين، والرحلة الثالثة إلى أصبهان سنة أربع وستين.
روى ابن صاعد ببغداد في أيامه حديثاً أخطأ في إسناده، فأنكر عليه ابن عقدة الحافظ، فخرج عليه أصحاب ابن صاعد، وارتفعوا إلى الوزير علي بن عيسى، فكتب الوزير إلى ابن أبي حاتم يسأله عن ذلك، فنظر وتأمل، وإذا الحديث على ما قال ابن عقدة، فكتب إليه بذلك، فأطلق ابن عقدة، وارتفع شأنه.
قال أبو أحمد الحاكم: كنت بالري، فرأيتهم يوماً يقرؤون على أبي محمد بن أبي حاتم كتاب:" الجرح والتعديل "، فلما فرغوا قلت لعبدويه الوراق: ما هذه الضحكة؟ أراكم تقرؤون كتاب التاريخ لمحمد بن اسماعيل البخاري على شيخكم على الوجه، وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم؟ فقال: يا أبا أحمد، اعلم أن أبا زرعة، وأبا حاتم لما حمل إليهما هذا الكتاب