وقال محمد بن عبد الله البغدادي: وكان من منة الله على عبد الرحمن أنه ولد بين قماطر العلم والروايات، وتربى بالمذاكرات مع أبيه، وأبي زرعة، فكانا يزقانه كما يزق الفرخ الصغير، ويعنيان به؛ فاجتمع له مع جوهر نفسه كثرة عنايتهما، ثم تمت النعمة برحلته مع أبيه، فأدرك الإسناد، وثقات الشيوخ بالحجاز، والعراق، والشام، والثغور، وسمع بانتخابه حتى عرف الصحيح من السقيم، فترعرع في ذلك. ثم كانت رحلته الثانية بنفسه بعد تمكن معرفته، يعرف له ذلك. وتقدم بحسن فهمه، وديانته، وقديم سلفه.
وقال عبد الرحمن: ساعدتني الدولة في كل شيء، حتى أخرجني أبي سنة خمس وخمسين ومائتين، وما احتلمت بعد، فلما بلغنا الليلة التي خرجنا فيها من المدينة نريد ذا الحليفة احتلمت، فحكيت ذلك لأبي، فسر بذلك، وقال: الحمد لله حيث أدركت حجة الإسلام.
قال عبد الرحمن:
كنت مع أبي في الشام في الرحلة، فدخلنا مدينة، فرأيت رجلاً واقفاً على الطريق يلعب بحية، ويقول: من يهب لي درهماً حتى أبلع هذه الحية؟ فالتفت إلي أبي، فقال: بابني، احفظ دراهمك، فمن أجلها تبلع الحيات! وقال عبد الرحمن: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
وقال: كنا بمصر سبعة أشهر، فلم نأكل فيها مرقة، وذلك أنا كنا نغدو بالغدوات إلى مجلس بعض الشيوخ، ووقت الظهر إلى مجلس آخر، ووقت العصر إلى مجلسٍ آخر،