ثم إن عدياً صنع طعاماً في بيعة، فأرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت، فإن لي حاجة. فأتاه في ناس، فقعدوا في البيعة، فقال عدي بن زيد لابن مرينا: إن أحق من عرف الحق ولم يلم عليه من كان مثلك، وإني قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك من صاحبي النعمان، فلا تلمني على شيء كنت على مثله، وأنا أحب أن لا تحقد علي شيئاً لو قدرت عليه ركبته، وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيك من نفسي، فإن نصيبي من هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك. وقام إلى البيعة، فحلف أن لا يهجوه أبداً، ولا يبغيه غائلة، ولا يزوي عنه خيراً، فلما فرغ عدي بن زيد قام عدي بن مرينا فحلف بمثل يمينه أن لا يزال يهجوه أبداً، ويبغيه الغوائل ما بقي. وخرج النعمان حتى نزل منزل أبيه بالحيرة، فقال عدي بن مرينا لعدي بن زيد: من الوافر:
ألا أبلغ عدياً عن عدي ... ولا تجزع وإن رثت قواكا
هيا كلنا تنوء لغير فقد ... لتحمد أو يتم به علاكا
فإن تظفر فلم تظفر حميداً ... وإن تعطب فلا يبعد سواكا
ندمت ندامة الكسعي لما ... رأت عيناك ما صنعت يداكا
ثم قال عدي بن مرينا للأسود: أما إذ لم تظفر فلا تعجز أن تطلب بثأرك من هذا المعدي الذي فعل بك ما فعل، فقد كنت أخبرك أن معداً لا ينام كيدها، وأمرتك أن تعصيه فخالفتني. قال: فما تريد؟ قال: أريد أن لا يأتيك فائدة من مالك وأرضك إلا عرضتها علي، ففعل، وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة، فلم يكن في الدهر يوم يأتي إلا على باب النعمان هدية من ابن مرينا، فصار من أكرم الناس عليه حتى كان لا يقضي في