ملكه شيئاً إلا بأمر ابن مرينا، وكان إذا ذكر عدي بن زيد عند النعمان أحسن الثناء عليه وشيع ذلك بأن يقول: عدي بن زيد فيه مكر وخديعة، والمعدي لا يصلح إلا هكذا. فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه، فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه: إذا رأيتموني أذكر عدياً عند الملك بخير فقولوا: إنه لكذلك ولكنه لا يسلم عليه من أصحابه أحد، وإنه ليقول: إن الملك يعني النعمان عامله، وإنه هو ولاه ما ولاه، فلم يزالوا كذلك حتى أضغنوه عليه، وكتبوا كتاباً على لسانه إلى قهرمان له، ثم دسوا إليه حتى أخذوا الكتاب منه، وأتوا به النعمان فقرأه، واشتد غضبه، وأرسل إلى عدي بن يزيد: عزمت عليك إلا زرتني فإني قد اشتقت إلى رؤيتك، وعدي يومئذ عند كسرى، فاستأذن كسرى، فأذن له، فلما أتاهلم ينظر إليه حتىحبسه في محبس لا يدخل عليه فيه أحد، فجعل عدي يقول الشعر وهو في السجن، فمما قاله من أبيات: من الرمل:
أبلغ النعمان عني مالكاً ... أنه قد طال حبسي وانتظاري
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
في قصائد كثيرة كان يقولها فيه ويكتب بها إليه ولا يغني عنده شيئاً.
قال أبو بكر الهذلي: سمعت رجلاً ينشد الحسن شعر عدي بن زيد: من الخفيف:
وصحيح أضحى يعود مريضاً ... هو أدنى للموت ممن يعود
وأطباء بعدهم لحقوقهم ... ضل عنهم سعوطهم واللدود
أين أهل الديار من قوم نوح ... ثم عاد من بعدهم وثمود