أمره، وكان بنو بقيلة معادين لعدي، فركب النعمان يوماً فقال له عدي: إنك ستمر ببني بقيلة ويعرضون عليك أن تنزل عندهم وتأكل طعامهم، وأنت إن فعلت لم أقم معك ساعة وانصرف إلى كسرى. فقال النعمان: إني لا أدخل إليهم ولا آكل طعامهم. فلما مر بهم تلقوه وقالوا: أيها الملك أكرمنا بنزولك إلينا ودخولك منزلنا. فتأبى عليهم، فقالوا: ننشدك الله أن تورثنا سبة ما عشنا، وعاراً في الناس. فلم يزالوا به حتى نزل إليهم وأكل من طعامهم، فلما بلغ ذلك عدياً انصرف إلى منزله، فلما رجع النعمان قال: أين عدي؟ قالوا: ذهب إلى منزله. قال: فادعوه. فأبى أن يجيب فأغضب النعمان، فقال لمن عنده من جنده وحشمه: ائتوني به ولو سحباً. فسحبوه، فلم يبلغوا به حتى أثروا به آثاراً قبيحة، فلما رآه النعمان علم أن فساده عند كسرى إن رآه على تلك الحال، فأمر به إلى السجن، فمكث في السجن زماناً يقول الشعرن ثم بلغ كسرى ما صنع به فأرسل أمناء من عنده، فقال: إن كان عدي على ما بلغني فأتوني النعمان في الحديد، وإن كان غير ذلك فأعلموني كيف كان. فراع ذلك النعمان فأسرى على عدي فقتله ودفنه، فلما جاء الأمناء قالوا أين عدي؟ قال: هيهات عدي مذ زمان، فصار عدي بن عدي كاتباً لكسرى بالعربية مكان أبيه، وأرضى النعمان الأمناء بشيء، فانصرفوا عنه، فعفوا عنه.
وذكر المفضل الضبي أن عدياً كان له أخ اسمه أبي، وكان عند كسرى، فكتب إليه عدي يخبره بما جرى له، فأخبر كسرى بأمره، فوجه كسرى رسولاً إلى النعمان يأمره بإطلاقه، فقتله النعمان في السجن، ثم ندم على قتله، وكان ذلك سبب تغير كسى للنعمان.