ثم قد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق، فقال عروة: وعظت يا أمير المؤمنين فأبلغت. وخرج إلى راحلته، فركبها ثم وجهها نحو الحجاز، فمكث هشام يومه، فلما كان في الليل ذكره فقال: رجل من قريش وفد إلي، فجبهته ورددته عن حاجته، وهو مع ذا شاعر، ولا آمن يقول في ما يبقى ذكره! فلما أصبح دعا مولاه فدفع إليه ألفي دينار وقال: الحق بهذه ابن أذينة. قال المولى: فخرجت إلى المدينة فقرعت عليه الباب، فخرج إلي فأعطيته المال فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام، وقل له: كيف رأيت قولي؟ سعيت فأكذبت، ورجعت إلى منزلي فأتاني، ولكني قد قلت: من الكامل:
شاد الملوك قصورهم وتحصنوا ... من كل طالب حاجة أو راغب
فإذا تلطف للدخول عليهم ... عاف تلقوه بوعد كاذب
فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن ... يا ذا الضراعة طالباً من طالب
فأقسم بالله لا سألت أحد حاجة حتى ألقى الله. فكان ربما سقط سرطه فينزل عن فرسه ويأخذه ولا يسأل أحداً أن يناوله إياه.
مرت سكينة بعروة بن أذينة فقالت: يا أبا عامر، أنت الذي تقول: من البسيط:
يا نظرة لي ضرت يوم ذي سلم ... حتى لي هذا الضر في نظري
قالت وأبثثتها سري فبحت به ... قد كنت عندي تحب الستر فاستتر
ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطى هواك وما ألقى على بصري
وأنت القائل: من البسيط:
إذا وجدت أذى للحب في كبدي ... أقبلت نحو سقاء القوم أيترد
هذا بردت ببرد الماء ظاهرة ... فمن لحر على الأحشاء يتقد