منهم هذا، وقالوا لعزير؟! وما بال سليمان تفقد الهدهد من بين الطير؟ وسمعت الله عز وجل يذكر تبّعاً فلم يذمّه وذمّ قومه؟.
قال نعم إن تبّعاً غزا بيت المقدس، فسبى أولاد الأحبار، فقدم بهم على قومه، فأعجب بفتية منهم، فجعل يدنيهم وسمع منهم، وجعل الفتية يخبرونه عن الله وما في الآخرة، قال: فأعجب بهم، فجعلهم في سره دون قومه، فتكلم قومه في ذلك، فقالوا: إن هؤلاء الفتية قد غلبوا على تبع، ونخاف أن يدخلوه في دينهم. فبلغ تبعاً ما يقوله قومه؛ فأرسل إلى الفتية فدخلوا عليهم، فقال لهم: ألا تسمعون ما يقول قومي؟ قال الفتية: بيننا وبينهم المنصف، قال: وما هو؟ قالوا: النار التي تحرق الكاذب، ويبرأ فيها الصادق.
قال: فأرسل تبع إلى أحبار قومه فأدخلهم عليه، وقال: اسمعوا ما يقول هؤلاء يقولون: إن لنا ربّاً هو خلقنا وإليه نعود، وإن بين أيدينا جنةً وناراً، فإن أبيتم علينا هذا فبيننا وبينكم النار التي تحرق الكاذب، وينجو منها الصادق؛ فقال قوم تبع: رضينا. فخرج تبع وقومه، وأخرج الناس معه، وأمر بالفتية فأخرجوا، وكانت النار تقبل، حتى إذا كانت قريبة من النار ركدت ولما تبرح.
قال: فلما خرج الفتية أقبلت النار حتى إذا كانت قريبة منهم ركدت. قال تبع للفتية: هذه النار قد أقبلت فتوجهوا نحوها، فتوجه الفتية نحوها، وكانت إذا توجّه قبلها انفرقت فرقتين، فإذا دخلوها وتوسطوها، إن كانوا ليسوا بأهلها جاوزوها، فإذا جاوزوها انضمّت، وإن كانوا أهلها أقبلت عليهم وأحرقتهم. فلما توجه الفتية نحوها انفرقت فرقتين، فلما دنوا منها وجدوا حرها، وسفعت وجوههم؛ فرجعوا هاربين، قال له تبع: لتدخلنّها، أنتم دعوتمونا إلى هذا، قال: فأكرههم على أن دخلوها، ثم مشوا حتى خرجوا منها، فانضمّت.
واختار تبع عدّة الفتية من قومه، فقال: ادخلوها، فلما دنوا منها وجدوا حرّها وسفعت وجوههم رجعوا هاربين، فقال لهم تبع: بئس الرجل أنا إن كنت حملت الفتية