أن لا تعصى ما تعصيت وأنت تحب أن تطاع، وأنت في ذلك تعصى، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه:" إني لا أسأل عما أفعل وهو يسألون ". فانتهى موسى.
فلما بعث الله عزيراً، وآتاه التوراة، بعدما كان قد رفعها عن بني إسرائيل حتى قال من قال منهم: إن الله إنما خصه بالتوراة من بيننا أنه ابنه. فلما رأى منزلته من ربه قال: اللهم إنك رب عظيم لو شئت أن تطاع لأطعت، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذل تعصى، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه:" إني لا أسأل عما أفعل ". فأبت نفسه حتى سأل أيضاً، فقال: اللهم إنك رب لو شئت أن تطاع لأطعت، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه:" يا عزير أتستطيع أن ترد يوم أمس؟ " قال: لا، قال:" أتستطيع أن تصر صرّة من الشمس؟ " قال: لا، قال:" أتستطيع أن تجيء بحصاة من الأرض السابعة؟ " قال: لا، قال:" أتستطيع أن تجيء بمثقال من الريح؟ " قال: لا، قال:" أتستطيع أن تجيء بقيراط من نور؟ " قال: لا، قال:" فهذا لا تقدر على الذي سألت عنه، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، أما إني لا أجعل عقوبتك إلا أن أمحو اسمك من الأنبياء فلا تذكر بينهم "، وهو نبي مرسل أو رسول.
فلما بعث الله عيسى ابن مريم وأنزل عليه الكتاب والحكم والتوراة والإنجيل، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. فرأى مكانه من ربه عز وجل، قال: اللهم إنك رب عظيم، ولو شئت أن تطاع لأطعت، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت وأنت تحب أن تطاع، وأنت في ذل تعصى، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله تعالى إليه:" إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، إنما أنت عبدي ورسولي وكلمتي ألقيتها إلى مريم، وروح مني خلقتك من غير أب، ثم قلت لك: كن فكنت، لئن لم تنته لأفعلن بك ما فعلت بصاحبك بين يديك ": فجمع الحواريين ومن معه فقال: إن القدر سرّ الله عز وجل فلا تتكلفوا.