فقال له علي بن عيسى: ما رأيت أغث فضلاً منك، فقال الجندي: بقي أيّد الله الوزير تمام الرؤيا، فقال له: هيه، قال: فقلت له: يا رسول الله، علي بن عيسى رجل فيه بأوٌ وكبر، ولا يجوز عليه شيء، وأنا أخشى يتهمني في هذا، فقال لي:" قل له بعلامة أنك تعلقت سنة من السنين بأستار الكعبة ". فسألت الله ثلاث حوائج، فقضى لك اثنتين، وبقيت واحدة. قال: فاندفع الوزير بالبكاء، فبكى معه أبو بكر بن مجاهد ثم قال: والله، لولا ما أتيت من هذا الحديث لاتّهمتك في قولك، لأنه ما علم بهذا إلا الله عزّ وجلّ، وأمر للجندي بألف دينار، وأطلق له أرزاقه موفرة، وأضعف ما كان يدفعه إليه، وصار من خواصّ أصحابه.
ولما عزل علي بن عيسى الوزير خرج إلى مكة، ونوى المجاورة وحج معه في تلك السنة الماذارائي وابن زنبور فقال لهما: اعزما على المجاورة، فقال الماذرائي: أنا لا أصبر على حرّ مكة، وقال ابن زنبور: أنا أقيم معك، قال ابن زنبور؛ وأخذ علي بن عيسى في التعبّد العظيم، قال: فكنت يوماً في الطواف وعلي بن عيسى قد بسط كرّه في حاشية الطواف، وهو يصلي فإذا شيخ يسلم عليّ وقال: من هذا؟ قلت: علي بن عيسى، قال: إيش يعمل؟ قلت: يتعبد، فقال: ليس لله فيه شيء، قال ابن زنبور: فاستجهلته، وقلت في نفسي: يقول مثل هذا في رجل يعبد الله هذه العبادة؟! فما كان بعد أيام وأنا في الطّواف فإذا بالرجل جذبني من خلفي، وقال: من هذا؟ فقلت: أليس أخبرتك من هو، علي بن عيسى، فقال كما قال الأول. فلما قعدنا نفطر مع علي بن عيسى ذكرت قوله، فضحكت، فقال: ما هذا الضحك؟ فعرفته الصورة، قال: فترك