الخطّاب قد أمر رجالاً يقومون عليهم، ويقسمون عليهم أطعمتهم وإدامهم، فكان يزيد ابن أخت النّمر، وكان المسور بن مخرمة، وكان عبد الرحمن بن عبد القاريّ، وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود، فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا عند عمر، فيخبروه بكلّ ما كانوا فيه، وكان كل رجل منهم على ناحية من المدينة، وكان الأعراب حلولاً فيما بين رأس الثّنيّة، إلى راتج، إلى بني حارثة، إلى بني عبد الأشهل، إلى البقيع، إلى بني قرطبة، ومنهم طائفة بناحية بني سلمة، هم محدقون بالمدينة. فسمعت عمر يقول ليلةً وقد تعشّى النّاس عنده: أحصوا من يتعشّى عندنا؛ فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل. وقال: أحصوا العيالات الذين لا يأتون، والمرضى والصبيان؛ فأحصوهم، فوجدوهم أربعين ألفاً. ثم مكثنا ليالي فزاد النّاس، فأحصوا، فوجدوا من تعشى عنده عشرة آلاف، والأخرين خمسين ألفاً فما برحوا حتى أرسل الله السّماء. فلمّا مطرت رأيت عمر قد وكّل كلّ قوم من هؤلاء النّفر بناحيتهم، يخرجونهم إلى البادية، ويعطونهم قوتاً وحملاناً إلى باد يتهم، ولقد رأيت عمر يخرجهم هو بنفسه. قال أسلم: وقد كان وقع فيهم الموت، فأراه مات ثلثاهم وبقي ثلث، وكانت قدور عمر يقوم إليها العمّال في السّحر يعلمون الكركور حتى يصبحوا، ثم يطعمون المرضى منهم، ويعلمون العصايد؛ وكان عمر يأمر بالزّيت فيفار في القدور الكبار على النّار حتى يذهب حمتّه وحرّه، ثم يثرد الخبز، ثم يؤدم بذلك الزّيت؛ فكانت العرب يحمّون من الزّيت. وما أكل عمر في بيت أحد من ولده، ولا بيت أحد من نسائه ذواقاً زمان الرّمادة إلاما يتعشّى مع النّاس حتى أحيا الله النّاس أوّل ما أحيا.
حدث أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنّا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرّمادة لظننّا أن عمر يموت همّاً بأمر المسلمين.