قال: فبكى حتى ظننّا أن نفسه ستخرج من بين جنبيه؛ ثم قال: فمن ولي أمر الأمّة من بعده؟ قال: أبو بكر. قال: نحيف بني تيم؟ قال: نعم. قال: أفيكم هو؟ قال: لا. قال: وقد توفّي؟ قال: نعم. قال فبكى حتى سمعنا لبكائه شحيجاً؟ ثم قال: فمن ولي أمر الأمّة بعده؟ فقال: عمر بن الخطّاب. قال: فأين كانوا عن أبيض بني أميّة؟ يريد عثمان بن عفّان فإنه كان ألين جانباً، وأقرب. قال: قد كان ذلك. قال: إن كانت صداقة عمر لأبي بكر لمسلمه إلى خير، أفيكم هو؟ قال: هو الذي يكلّمك منذ اليوم. قال: أغثني، فإني لم أجد مغيثاً. قال: ومن أنت بلّغك الغوث؟ قال: أنا أبو عقيل، أحد بني مليل، لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردهة بني جعل، دعاني إلى الإسلام، فآمنت به، وصدّقت بما جاء به، فسقاني شربةً من سويق شرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوّلها وشربت آخرها، فما برحت أجد شبعها إذا جعت، وريّها إذا عطشت، وبردها إذا أصبحت، ثم تيمّمت في رأس الأبيض أنا وقطعة غنم لي، أصلّي في يومي وليلتي خمس صلوات، وأصوم شهراً وهو رمضان، وأذبح شاةً لعشر ذي الحجّة، أنسك بها؛ ذاك علمي، حتى ألفت بها السنّة فما أبقت لنا منها إلاّ شاةً واحدةً، كنّا ننتفع بدرّتها، فعسّها الذّيب البارحة الأولى، فأدركنا ذكاتها، فأكلنا وبلغناك ببعض. فأغثنا أغاثك الله. فقال عمر: بلّغك الغوث، بلّغك الغوث، أدركني على الماء.
قال المسور بن مخرمة: فنزلنا المنزل، وأصبنا من فضل زادنا، وكأنّي أنظر إلى عمر متعباً على قارعة الطريق، آخذاً بزمام ناقته، لم يطعم طعاماً، ينتظر الشيخ ويرمقه. فلمّا رحل النّاس، دعا عمر صاحب الماء فوصف له الشيخ وحلاّه له، وقال: إذا أتى عليك فأنفق عليه وعلى آله حتى أعود إليك إن شاء الله.
قال المسور: فقضينا حجّنا، وانصرفنا، فلمّا نزلنا المنزل دعا عمر صاحب الماء، فقال: هل أحسست الشيخ؟ قال: نعم ياأمير المؤمنين، أتاني وهو موعوك، فمرض عندي ثلاثاً، فمات، ودفنته، وهذا قبره.