ثم تنحّى عنها ناحيةً، ثم استقبلها، فربض مربضاً؛ فقلت: لك شأن غير هذا؟ فلم يكلّمني، حتى رأيت الصّبية يصطرعون، ثم ناموا، وهدؤوا. فقال: ياأسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألاّ أنصرف حتى أرى ما رأيت.
عن جهم بن أبي جهم، قال: قدم خالد بن عرفطة العذريّ على عمر، فسأله عمّا وراءه، فقال: ياأمير المؤمنين، تركت من ورائي يسألون الله أن يزيد في عمرك من أعمارهم، ما وطئ أحد القادسيّة إلاّ عطاؤه ألفان أو خمس عشرة مئة، وما من مولود يولد إلاّ ألحق على مئة وجريبين كل شهر ذكراً كان أو أنثى، وما يبلغ لنا ذكر إلاّ ألحق على خمسمئة أو ستّمئة، فإذا خرج هذا لأهل بيت، منهم من يأكل الطعام ومنهم من لا يأكل الطعام، فما ظنّك به؟ فإنه لينفقه فيما ينبغي ومالا ينبغي. قال عمر: فالله المستعان، إنّما هو حقّهم أعطوه، وأنا أسعد بأدائه إليهم منهم بأخذه، فلا تحمدنّي عليه، فإنه لو كان من مال الخطّاب ما أعطيتموه، ولكني قد علمت أن فيه فضلاً ولا ينبغي أن أحبسه عنهم، فلو أنه إذا خرج عطاء أحد هؤلاء العريب ابتاع منه غنماً فجعلها بسوادهم، ثم إذا خرج العطاء الثانية ابتاع الرأس فجعله فيها، فإني ويحك يا خالد بن عرفطة أخاف عليكم أن يليكم بعدي ولاة لا يعدّ العطاء في زمانهم مالاً، فإن بقي أحد منهم أو أحد من ولده كان لهم شيء قد اعتقدوه، فيتكئون عليه، فإن نصيحتي لك وأنت عندي جالس كنصيحتي لمن هو بأقصى ثغر من ثغور المسلمين، وذلك لما طوّقني الله من أمرهم؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" من مات غاشّاً لرعيّته لم يرح رائحة الجنّة ". وعن ابن عمر، قال: قدمت رفقة من التّجار، فنزلوا المصلّى، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن نحرسهم اللّيلة من السّرق؟ فباتا يحرسانهم، ويصلّيان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبيّ، فتوجه نحوه، فقال لأمّه: اتّقي الله وأحسني إلى صبيّك؛ ثم عاد إلى مكانه، فسمع