فلمّا أدبرالرّجل إذا إزاره يمسّ الأرض، فقال: ردّوا الغلام، يا ابن أخي ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربّك؛ يا عبد الله انظر ما عليّ من الديّن. فحسبوه فوجدوه ستّةً وثمانين ألفاً، أو نحو ذلك. فقال: إن وفى مال آل عمران فأدّه من أموالهم، وإلاّ فاسأل في بني عديّ بن كعب، فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم؛ اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة، فقل: يقرأ عليك عمر بن الخطّاب السّلام، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإنّي اليوم لست للمؤمنين بأمير، فقل: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه.
قال فسلّم ثم استأذن، فوجدوها تبكي؛ فقال لها: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: قد كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّه اليوم على نفسي. قال: فجاء؛ فلمّا أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء. فقال: ارفعاني؛ فأسنده إليه رجل، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحبّ يا أمير المؤمنين، قد أذنت لك. قال: الحمد لله، ما كان شيء أهّم إليّ من ذلك المضجع، فإذا أنا قبضت، فسلّم، وقل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المسلمين. ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنّساء يسترنها فلمّا رأيناها قمنا، فمكثت عنده ساعةً، ثم استأذن الرّجال، فولجت داخلاً، ثم سمعنا بكاءها من الدّاخل، فقيل له: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الذي توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راضً، سمّى علياً، وطلحة، وعثمان، والزّبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعداً. قال: وشهد عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء كهيئة التّعزية له، فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك وإلا فليستعن به، أو لكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا من خيانة. ثم قال: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله. وأوصيه بالمهاجرين الأوّلين أن يعلم لهم حقّهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً، " الذين تبوّؤا الدّار والإيمان "