وعن عامر بن سعد بن أبي وقّاص: أن أباه حين رأى اختلاف أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفرّقهم اشترى لهم ماشيةً، ثم خرج فاعتزل فيها بأهله على ماء يقال له: قلها.
قال: وكان سعد من أحدّ النّاس بصراً، فرأى ذات يوم شيئاً يزول، فقال لمن تبعه: ترون؟ قالوا: نرى شيئاً كالطّير؛ قال: أرى راكباً على بعير؛ ثم قال: رأى عمر بن سعد؛ ثم قال: اللهم إنّا نعوذ بك من شرّ ما جاء به؛ فسلّم عليه، ثم قال لأبيه: أرضيت أن تتبع أذناب هذه الماشية بين هذه الجبال وأصحابك يتنازعون في أمر الأمة؟ قال سعد بن أبي وقّاص: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سيكون بعدي فتن أو قال: أمور خير النّاس فيها الغنيّ الخفيّ التّقيّ " فإن استطعت يا بنيّ أن تكون كذلك فكن. فقال له عمر: أما عندك غير هذا؟ فقال: لا يا بنيّ. فوثب عمر ليركب، ولم يكن حطّ عن بعيره؛ فقال له سعد: أمهل حتى نغدّيك؛ قال: لا حاجة لي بغدائكم؛ قال سعد: فنحلب لك فنسقيك؛ فال: لا حاجة لي بشرابكم. ثم ركب فانصرف مكانه.
قال أبو المنذر الكوفيّ: كان عمر بن سعد بن أبي وقّاص قد اتّخذ جعبةً وجعل فيها سياطاً، نحواً من خمسين سوطاً؛ فكتب على السّوط عشرة وعشرين وثلاثين إلى خمسمئة على هذا العمل؛ وكان لسعد بن أبي وقّاص غلام ربيب مثل ولده، فأمره عمر بشيء فعصاه، فضرب بيده إلى الجعبة فرفع بيده سوط مئة، فجلده مئة جلدة. فأقبل الغلام إلى سعد دمه يسيل على عينيه؛ فقال: مالك؟ فأخبره؛ فقال: اللهم اقتل عمر وأسل دمه على عينيه. قال: فمات الغلام؛ وقتل المختار عمر بن سعد.