فوجّهه إلى المدينة، فقعد مع مشايخ قريش وتجنّب شبابهم، وجاءته ألطاف أبيه من مصر فجعل يقسمها بينهم، فشهره أهل المدينة بعلمه وعقله مع حداثة سنّه؛ فحسده فتيان قريش فقعدوا إليه، فقالوا: كيف أصبحت يا أبا حفص؟ فقال: مهلاً، إيّاي وكلام المجعة؛ فشهرت منه بالمدينة حتى كتب بها إلى أبيه بمصر والمجعة: القليلة عقولهم، الضّعيفة آراؤهم ثم بعث إليه عبد الملك عند وفاة أبيه فخلطه بولده وقدّمه على كثير منهم، وزوّجه بابنته فاطمة، وهي التي يقول فيها الشّاعر: من الكامل
بنت الخليفة، والخليفة جدّها ... أخت الخلائف، والخليفة زوجها
فلم تكن امرأة تستحق هذا البيت إلى يومنا هذا غيرها. وكان الذين يعيبون عمر ممّن يحسده إلا بشيئين: إلاّ بالإفراط في النّعمة والاختيال في المشية؛ ولو كانوا يجدون ثالثاً لجعلوه معهما؛ وهو الأحنف: الكامل من عدّت هفواته، ولا تعدّ إلاّ من قلّة. فدخل يوماً على عبد الملك وهو يتجانف في مشيته، فقال له: يا عمر، مالك تمشي غير مشيتك؟ قال: إن بي جرحاً. قال: وفي أيّ حسدك؟ قال: بين الرّانفة والصّفن. قال عبد الملك لروح بن زنباع: أقسم بالله لو رجل من قومك سئل عن هذا لما أجاب هذا الجواب. الرّانفة: طرف الألية. والصّفن: جلد الخصية. قال جرير: من الرجز يترك أصفان الخصى جلاجلا قال خليفة: سنة سبع وثمانين أقام الحجّ عمر بن عبد العزيز.