أر في مثل جماله وكماله حتى دنا من ابن هبيرة، فسلّم عليه بالإمرة، فقال: أصلح الله الأمير، امرؤ فدحته كربة وأوحشته كربة، ونأت به الدّار وحلّ به عظيم، خذله أخلاّؤه وشمت به أعداؤه، وأسلمه البعيد وجفاه القريب، فقمت مقاماً لا أرى فيه معوّلاً ولا جاذباً إلاّ الرّجاء لله تعالى، وحسن عائدة الأمير، وأنا أصلح الله الأمير ممّن لا تجهل أسرته، ولا تضيع حرمته، فإن رأى الأمير أصلحه الله أن يسدّ خلّتي ويجبر خصاصتي يفعل. فقال ابن هبيرة: ممّن الرّجل؟ قال: من الذين يقول لهم الشّاعر: من الطويل
فزارة بيت العزّ والعزّ فيهم ... فزارة قيس حسب قيس فعالها
لها العزّة القصوى مع الشّرف الذي ... بناه لقيس في القديم رجالها
وهل أحد إن مدّ يوماً بكفّه ... إلى الشّمس في مجرى النّجوم ينالها
لهيهات ما أعيا القرون التي مضت ... مآثر قيس واعتلاها فعالها
فقال ابن هبيرة: إن هذا الأدب لحسن مع ما أرى من حداثة سنّك، فكم أتى لك من السّنّ؟ قال: تسع وعشرين سنة. فلحن الفتى وأطرق ابن هبيرة كالشّامت به، ثم قال: أولحّان أيضاً، مع جميل ما أتى عليه منطقك؟ شنته والله بأقبح العيب. قال: فأبصر الفتى ما وقع فيه فقال: إن الأمير أصلحه الله عظم في عيني، وملأت هيبته صدري، فنطق لساني بما لم يعرفه قلبي، فوالله ما أقالني الأمير عثرتي عندما كان من زلّتي. فقال ابن هبيرة: وما على أحدكم أن يتعلّم العربيّة فيقيم بها أوده، ويحضر بها سلطانه، ويزين بها مشهده، وينوء بها على خصمه؟ أو يرضى أحدكم أن يكون لسانه مثل لسان عبده وأكّاره؟ قد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم، فإن كان سقط لسانك وإلاّ فاستعن ببعض ما أوصلناه إليك، ولا يستحي أحدكم من التّعلّم، فإنه لولا هذا الّلسان كان الإنسان كالبهيمة المهملة؛ قاتل الله الشّاعر حيث يقول: من الطويل