هدم الكعبة على عليّ بن أبي سفيان، ويلعن معاوية بن أبي طالب! فقال له الوالي: ما أدري ممّ أتعجّب، من علمك بالأنساب أو من معرفتك بالمقالات؟ فقال: أصلحك الله، ما خرجت من الكتّاب حتى تعلّمت هذا كلّه! قال عليّ بن القاسم الأديب الخوافي: حدّثني بعض إخواني: أنه دخل على عمرو بن الجاحظ، فقال: يا أبا عثمان، كيف حالك؟ فقال له الجاحظ: سألتني عن الجملة فاسمعها منّي واحداً واحداً؛ حالي أن الوزير يتكلّم برأيي وينفذ أمري، ويواثر الخليفة الصّلات إليّ، وأكل من لحم الطّير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها؛ وأجلس على ألين الطّبريّ، وأتّكىء على هذا الرّيش، ثم أصبر حتى يأتي الله بالفرج! فقال له الرّجل: الفرج ما أنت فيه. قال: بل أحبّ أن تكون الخلافة لي، ويعمل محمد بن عبد الملك بأمري، ويختلف إليّ، فهذا هو الفرج! قال محمد بن يزيد المبرّد: سمعت الجاحظ يقول لرجل آذاه: أنت والله أحوج إلى هوان من كريم إلى كرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر.
وقال أبو سعيد الجنديسابوريّ: سمعت الجاحظ يصف اللّسان، قال: هو أداة يظهر بها البيان، وشاهد يعبّر عن الضّمير، وحاكم يفصل الخطاب، وناطق يردّ به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الأشياء، وواعظ ينهى عن القبيح، ومعزّ يردّ الأحزان، ومعتذر يدفع الضّغينة، ومله يوثق الأسماع، وزارع يحدث المودّة، وحاصد يستأصل المودّة، وشاكر يستوجب المزيد، ومادح يستحقّ الزّلفة، ومؤنس يذهب بالوحشة. وقال: قليل الموعظة مع نشاط الموعوظ خير من كثير وافق من الأسماع نبوةً ومن القلوب ملالةً. وقال: خمس يضنين؛ سراج لا يضيء، ورسول بطيء، وطعام ينتظر به، وإبريق يسيل، وبيت يكف.