قال المبّرد: رأيت الجاحظ يكتب شيئاً، فتبسّم. فقلت: ما يضحكك؟ فقال: إذا لم يكن القرطاس صافياً، والمداد نامياً، والعلم مواتياً، والقلب خالياً، فلا عليك أن تكون غائباً.
وعن يموت بن المزرّع، قال: قال لنا عمرو بن بحر الجاحظ: ما غلبني قطّ إلاّ رجل وامرأة؛ فأمّا الرّجل، فإني كنت مجتازاً في بعض الطّرق، فإذا أنا برجل قصير بطين كبير الهامة طويل اللّحية، متّزر بمئزر، وبيده مشط يسقي به شقّةً ويمشطها بيده؛ فقلت في نفسي: رجل قصير بطين ألحى! فاستزريته. فقلت: أيّها الشّيخ، قد قلت فيك شعراً. قال: فترك المشط من يده، وقال: قل. فقلت: من الوافر
كأنّك صعوة في أصل حشّ ... أصاب الحشّ طشّ بعد رشّ
فقال لي: اسمع جواب ما قلت. فقلت: هات. قال: من الوافر
كأنك كندر في ذنب كبش ... يدلدل هكذا والكبش يمشي
وأمّا المرأة؛ فإني كنت مجتازاً في بعض الطّرقات، فإذا بامرأتين، وكنت راكباًعلى حمارة، فضرطت الحمارة؛ فقالت إحداهما للأخرى: حمارة الشّيخ تضرط! فغاظني قولها، فأعننت، ثم قلت لها: إنه ما حملتني أنثى إلاّ ضرطت. فضربت بيدها على كتف الأخرى وقالت: كانت أمّ هذا منه تسعة أشهر في جهد جهيد.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق: قال لي إبراهيم بن محمود ونحن ببغداد: ألا تدخل على عمرو بن بحر الجاحظ؟ فقلت: ما لي له؟ قال: إنك إذا انصرفت إلى خراسان سألوك عنه، فلو دخلت عليه وسمعت كلامه. ثم لم يزل بي حتى دخلت عليه يوماً، فقدّم إلينا طبقاً عليه رطب،