فتناولت منه ثلاث رطبات، وأمسكت، ومرّ فيه إبراهيم، فأشرت إليه أن يمسك، فرمقني الجاحظ فقال لي: دعه يا فتى، فقد كان عندي في هذه الأيام بعض إخواني فقدّمت إليه الرّطب فامتنع، فحلفت عليه، فأبى إلاّ أن يبرّ قسمي بثلاثمئة رطبة.
قال الجاحظ: رأيت جارية ببغداد في سوق النّخّاسين ينادى عليها، فدعوت بها، وجعلت أقلّبها، فقلت: ما أسمك؟ قالت: مكّة. قلت: الله أكبر، قد قرّب الله الحجّ؛ أتأذنين أن أقبّل الحجر الأسود؟ قالت: إليك عنّي، وألم تسمع الله تعالى يقول:" لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس ". قال أبو العيناء: كان الجاحظ يأكل مع محمد بن عبد الملك الزّيّات، فجاؤوا بفالوذجة، فتولّع محمد بالجاحظ وأمر أن يجعل من جهته ما رقّ من الجام، فأسرع في الأكل، فتنّظف ما بين يديه؛ فقال ابن الزّيات: تقشّعت سماؤك قبل سماء النّاس! فقال له الجاحظ: لأن غيمها كان رقيقاً.
وقال أبو العيناء: كنت عند ابن أبي داؤد بعد قتل ابن الزّيّات، فجيء بالجاحظ مقيداً وكان في أسبابه وناحيته وعند ابن أبي داؤد محمد بن منصور وهو إذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان فقال ابن أبي داؤد للجاحظ: ما تأويل هذه الآية " وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد "؟ فقال: تلاوتها تأويلها أعزّ الله القاضي. فقال: جيئوا بحدّاد. فقال: أعزّ الله القاضي ليفكّ عني أو ليزيدني؟ قال: بل ليفكّ عنك. قال: فجيء بالحدّاد، فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ ويطيل أمره قليلاً؛ ففعل، فلطمه الجاحظ، فقال: اعمل عمل شهر في يوم، وعمل يوم