فقلت: جدّ أيّدك الله مقالاً. فقال: وعجبت من عمرو وسكوته، ولم أذكر من ذلك شيئاً.
قال أبو سعيد البصريّ: قدمت على الجاحظ بعدما كبر سنّه، فقلت له: حدّثني. فقال: اكتب؛ الأمصار عشرة: الصّناعة بالبصرة، والفصاحة بالكوفة، والتّخنّث ببغداد، والغدر بالرّيّ، والجفاء بنيسابور، والحسد بهراة، والطّرمذة بسمرقند، والمروءة ببلخ، والبخل بمرو، والتّجارة بمصر.
قال أبو العيناء: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك وأدخلنا على الشيوخ ببغداد فقبلوه، إلاّ ابن أبي شيبة العلويّ فإنه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله. فأبى أن يقبله. وكان أبو العيناء يحدّث بهذا بعدما مات.
حدّث ابن أبي الذ يّال المحدّث بسرّ من رأى، قال: حضرت وليمةً حضرها الجاحظ، وحضرت صلاة الظّهر، فصلّينا وما صلّى الجاحظ، وحضرت صلاة العصر فصلّينا وما صلّى الجاحظ؛ فلمّا عزمنا على الانصراف قال الجاحظ لصاحب المنزل: إني ما صلّيت لمذهب أو لسبب أخبرك به. فقال له أو فقيل له: ما أظنّ أن لك مذهباً في الصّلاة إلاّ تركها.
قال المبرّد: دخلت على الجاحظ في آخر أيّامه وهو عليل، فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفّ مفلوج ولو نشر بالمناشير ما أحسّ به، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذّباب بقربه لآلمه؛ والآفة في جميع هذا أني قد جزت التّسعين. ثم أنشدنا: من الوافر
أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيّام الشّباب