فأجابوني إلاّ رجلاً منهم قال: يا عمرو بن مرّة أمرّ الله عيشك أتأمرني برفض آلهتنا، وأن نفرّق جمعنا، وأن نخالف دين آبائنا الشّيم العلى إلى ما يدعونا إليه هذا القرشيّ من أهل تهامة؟ لاحباء ولا كرامة. ثم أنشأ الخبيث يقول: من الكامل
إنّ ابن مرّة قد أتى بمقالة ... ليست مقالة من يريد صلاحا
ليسفّه الأشياخ ممّن قد مضى ... من رام لا أصاب فلاحا
قال: فقال عمرو: الكاذب منّي ومنك أمرّ الله عيشه، وأبكم لسانه، وأكمه أسنانه.
قال: فوالله مامات حتى سقط فوه، وعمي، وخرف، وكان لا يجد طعم الطّعام؛ فخرج عمرو بمن أسلم من قومه حتى أتوا النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحيّاهم ورحبّ بهم، وكتب لهم كتاباً هذه نسخته:" بسم الله الرحمن الرّحيم " هذا كتاب من الله العزيز على لسان رسوله بحقّ صادق وكتاب ناطق، مع عمرو بن مرّة لجهينه بم زيد، أن لكم بطون الأرض وسهولها، وتلاع الأودية وظهورها؛ على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها، على أن تؤدّوا الخمس وتصلّوا الخمس، وفي الغنيمة والصّريمة شاتان إذا اجتمعا، فإن فرّقتا فشاة شاة، ليس على أهل المثيرة صدقة، ولا على الواردة لبقة، والله شهيد على ما بيننا ومن حضر من المسلمين كتاب قيس بن شماس وفي ذلك يقول عمرو بن مرّة: من الطويل
ألم تر أن الله أظهر دينه ... وبيّن برهان الران لعامر
إلى خير من يمشي على الأرض كلّها ... وأفضلها عند اعتكار الضّرائر
أطعنا رسول الله لّما تقطّعت ... بطون الأعادي بالظّبى والخناجر
فنحن قبيل قد بني المجد حولنا ... إذا احتملت في الحرب هام الأكابر
بنو الحرب نقريها بأيد طويلة ... وبيض تلالا في أكفّ الأعاور