عن الهيثم عن عديّ، قال: كان بالمدينة أربعة فتيان، فاصطحبوا على المنادمة وصحيح الإخاء، يتقارضون الشّعر، ويتباينون العشق، منهم عمرو بن مرّة الحنفيّ، وصعب بن سفيان الحارثيّ، وزيد بن سعد التّميميّ، وسفيان بن الحارث النّوفليّ؛ وكانوا يغدون كلّ يوم إلى جوار لعمرو بن أبي ربيعة المخزوميّ للمذاكرة، فعلق كلّ واحد منهم واحدةً منهنّ وعلقته، حتى فشا أمرهم وبلغ ذلك عمر بن أبي ربيعة، فجمعهنّ عنهم؛ فاشتدّ لذلك وجدهم، ونحلت أجسامهم، وتغيّرت ألوانهم؛ فاجتمعوا يجيلون الرّأي بينهم، فقال بعضهم: ما الرّأي إلاّ الخروج إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان نستعديه على الهوى، يصف كلّ واحد منّا ما يلقى في أبيات من الشّعر. فتجهزّوا وخرجوا حتى قدموا على عبد الملك بن مروان، فوافوه يوم قعد للمظالم، فدخلوا في جملة النّاس، فتقدّم عمرو بن مرّة الحنفيّ وكان أكبر القوم سنّاً فرفع إلى عبد الملك قصّته، وفيها هذه الأبيات: من الطويل
تغيّر وجه الأرض إذ غيّب البدر ... وحالفني الهجران لاسلم الهجر
على غير ذنب كان منّي عملته ... سوى أنّني نوّهت: أن غلب الصّبر
وأن امرءاً يبدي تباريح قلبه ... إلى إلفه إذ شفّه الشّوق والذّكر
حقيق بأن يصفو له الودّ والهوى ... ويصرف عنه العيب إذ صرح القدر
فقل يا أمير المؤمنين فإنّما ... أتيناك كي تقضي إذا وضح الأمر
فأجابه عبد الملك في ظهر قصّته: من الطويل
لقد وضحت فيك القضيّة يا عمرو ... وأنت حقيق أن يحلّ بك الهجر
لأنك أظهرت الذي كان كاتماً ... ونوّهت بالحبّ الذي ضمن الصّدر
فبحت به في النّاس حتى إذا بدا ... دقيق الهوى ناديت: أن غلب الصّبر