قال أبو الدرداء: كفى بالموت واعظاً، وكفى بالدهر مفرقاً اليوم في الدور، وغداً في القبور.
مر أبو الدرداء بين القبور فقال: بيوت، ما أسكن ظواهرك! وفي دواخلك الدواهي.
قال أبو الدرداء: إن لكم في هاتين الدارين لعبرة، تزورونهم ولا يزورنكم، وتنتقلون إليهم ولا ينتقلون إليكم، يوشك أن يستفرغ هذه ما في هذه.
قال معاوية بن قرة: اشتكى أبو الدرداء، فدخل عليه أصحابه فقالوا له: يا أبا الدرداء ما تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي، قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة، قالوا: أفلا ندعو لك طبيباً؟ قال: هو الذي أضجعني.
مرض أبو الدرداء مرضه الذي مات فيه، فكثر عليه العواد في منزله، فأخرجوه إلى كنيسة التصارى، فجهل الناس يعودونه أرسالاً، فجاء أبو إدريس إلى أبي الدرداء وهو يجود بنفسه، فتخطى الناس حتى جلس عند رأسه، فقال أبو إدريس: الله أكبر الله أكبر، فجعل يكبر، فرفع أبو الدرداء رأسه فقال: إن الله إذا قضى قضاءً أحب أن نرضى به، ثم قال: ألا رجلٌ يعمل لمثل مصرعي هذا! ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه! ثم قضى.
لما نزل بأبي الدرداء الموت دعا أم الدرداء، ضمها إليه وبكى وقال: يا أم الدرداء، قد ترين ما نزل بي من الموت، إنه والله قد نزل بي أمر لم ينزل بي قط أمر أشد منه، فإن كان لي عند الله خير فهو أهون ما بعده؛ وإن تكن الأخرى، فوالله ما هو فيها بعده إلا كحلاب ناقة. ثم بكى وقال: يا أم الدرداء اعملي لمثل مصرعي هذا، يا أم الدرداء اعملي لمثل ساعتي هذه ثم دعا ابنه بلالاً فقال: ويحك يا بلال! اعمل لساعة الموت، اعمل لمثل مصرع أبيك، واذكر به صرعتك وساعتك، فكأن قد. ثم قبض.
قالت أم الدرداء: أغمي على أبي الدرداء فأفاق فإذا بلال ابنه عنده فقال: قم فاخرج عني، ثم قال: من