وبلغ ذلك اليهود. فأقبلوا مغمومين مكروبين، فنظروا إلى أمرٍ معجب، فإذا سفرة مغطاة بمنديل، فرفع عيسى راسه واستوى قاعداً، فقال: لننظر من كان خيرنا وأوثقنا بنفسه، وأحسننا عملاً عند ربه فليكشف عن هذه الآية حتى ننظر إليها ونأكل منها ونحمد الله عليها؛ فقال الحواريون: أنت أولانا وأحقنا يا روح الله! فقام عيسى فتوضأ وضوءاً حسناً وصلى صلاة حسنة، ودعا دعاءً كثيراً وبكى بكاءً طويلاً، ثم جلس عند السفرة ثم قال: بسم الله خير الرازقين وكشف المنديل، فإذا سمكة مشوية وليس عليها فلوس ولا فيها شوك، يسيل السمن منها سيلاناً وقد نذد حولها من ألوان البقول إلا الكراث، وخل عند رأسها وملح عند ذنبها، وخمسة أرغفة على كل رغيف زيتون وخمس رمانات وتميرات، فقال شمعون وهو رأس الحواريين: يا روح الله وكلمته! أمن طعام الدنيا أو من طعتم الآخرة؟ فقال عيسى: ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا! فقال: لا وإله بني إسرائيل ما أردت بما سألتك عنه سوءاً، فقال عيسى: نزلت وما عليها من السماء، وليس شيء منها من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة، وهي مما ابتدعه الله بالقدرة البالغة، فقال: كن فكان، فقال: كلوا مما سألتم واذكروا اسم الله عليه واحمدوا إلهكم واشكروه يزدكم، فإنه القادر على ما يشاء إذا يشاء، فقال الحواريون: يا روح الله! كن أنت أول من يأكل منها ثم نأكل منها، فقال عيسى: معاذ الله، بل يأكل منها الذي سألها وطلبها.
وفرق الحواريون أن يكون " نزولها سخطة ومثلة، فلم يأكلو منها، فدعا عيسى لها أهل الفاقة والزمانة من العميان والمجذمين والمجانين والمخبلين، وهذا الضرب من أنواع البلاء من الناس، فقال: كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم، وآية من ربكم، فليكن مهناها لكم وبلاؤها لغيركم " فأكلوا، فصدر عن تلك السمكة والطعام " ألف وثلاث مئة من بين رجل وامرأة شباعاً " يتجشؤون من بين فقيرٍ جائع، وزمنٍ ناقهٍ رغيب، ثم نظر عيسى إلى السفرة فإذا هي كهيئتها حين نزلت من السماء، ثم رفعت إلى السماء وهم ينظرون