وجرى بين المنصور وبين عيسى بن موسى في ذلك خطوب ومكاتبات وامتناع من عيسى، ثم أجابه إلى ذلك، فقدم المهدي في ولاية العهد عليه، وأقر عيسى بذلك وأشهد على نفسه به، فبايع الناس على ذلك، وخطب المنصور الناس وأعلمهم ما جرى في امر عيسى من تقديم المهدي عليه ورضاه بذلك، وتكلم عيسى وسلم الأمر للمهدي فبايع الناس على ذلك بيعة مجددة للمهدي، ثم لعيسى من بعده. وقال المنصور يومئذ:" ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا " فلما أفضى الأمر إلى المهدي طلب عيسى بن موسى بخلع نفسه من ولاية العهد البتة، وتسليمه لموسى بن المهدي، وألح عليه في ذلك إلحاحاً شديداً، وبذل له مالاً عظيماً وخطراً جسيماً، وجرت في ذلك خطوب إلى أن أحضره من الكوفة إلى بغداد، وتقرر الأمر أن يخلع نفسه ويسلم الأمر لموسى بن المهدي ويدفع إليه عشرة آلاف ألف درهم، ويقال عشرين ألف ألف درهم، ويقطعه مع ذلك قطائع كثيرة وقد كان عيسى ذكر أن عليه أيماناً في أهله وماله، فأحضر له المهدي من القضاة والفقهاء من أفتاه في ذلك وعوضه المهدي من ذلك وأرضاه فيما يلزمه من الحنث في ماله ورقيقه وسائر أملاكه، فقبل ذلك ورضي به وخلع نفسه في هشية الأربعاء لأربعٍ بقين من المحرم سنة ستين ومئة في قصر الرصافة، وبايع للمهدي ولموسى بن المهدي، وحضر الخواص، فبايعوا في القصر للمهدي.
ثم خرج المهدي إلى جامع الرصافة، واجتمع الناس في المسجد فصعد المهدي المنبر وصعد بعده موسى ابنه، فكان دونه، ثم صعد عيسى بن موسى فكان على أول مرقاةٍ من المنبر، فقام المهدي فحمد الله وأثنى عليه وأخبر بما اجتمع عليه أهل بيته وشيعته في ذلك، وأن موسى عاملٌ فيهم بكتبا الله وأحسن السيرة وأعفاها ... في كلامٍ تكلم به، وجلس موسى دونه في جانب المنبر لكي لا يستر وجهه ولا يحول بينه وبين من يصعد إليه ليبايعه ويمسح على يده، وقام عيسى مكانه على أول مرقاة، فقرئ كتاب الخلع، وخروج عيسى مما كان إليه من ولاية العهد، وتحليل الناس جميعاً مما كان له من البيعة في رقابهم، وأن ذلك كان منه وهو طائع غير مكره، فأقر عيسى بذلك كله، وأشهد به على نفسه وصعد إلى المهدي فبايعه ومسح على يده ثم بايع موسى ومسح على يده ثم انصرف؛ ووفى المهدي