قال الشعبي: كان الأخطل ينشد عبد الملك شعره، فأنشده عروضه من أشعار العرب، فغممته ولا أشعر، فجلس لي يوماً على باب عبد الملك، فلما مررت قام إلي فقال: يا هذا إني آخذ من وعاءٍ واحد، وإنك تأخذ من أوعية شتى. قال: فكففت عنه.
وفي رواية قال له: يا شعبي! ارفق بي فإنك تغرف من آنية شتى وأنا أغرف من إناء واحد.
كتب عبد الملك إلى الحجاج أنه لم تبق علي لذةٌ من لذات الدنيا إلا وقد بلغتها، إلا محادثة الرجال، فوجه إلى بعامر الشعبي مكرماً. فأمره الحجاج بالتجهز، ثم خرج. فقال: قدمت على أمير المؤمنين فوافيت بابه، فلقيت حرسياً فقلت له: استأذن لي على أمير المؤمنين، فقال الحرسي: من تكون؟ قال: قلت عامر الشعبي، فدخل وما أبطأ حتى خرج فقال: ادخل، فدخلت فإذا عبد الملك في صحن الدار على الكرسي، في يده خيزرانة وبين يديه شيخٌ جالسٌ لا أعرفه، فسلمت فرد علي وقال: كيف حالك؟ قلت: بخير، ثم أومي إلي فجلست، ثم أقبل على الشيخ فقال: ويحك! من أشعر الناس؟ قال: الذي بينك وبين الحائط. قال الشعبي: فأظلم علي ما بين السماء والأرض! قت: من هذا يا أمير المؤمنين؟! أشعر منه شاب كان عندنا قصير الباع يقول: من البسيط
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
والناس من يلق خيراً قائلون له ... ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل
فقال عبد الملك: أحسن والله! من يقوله؟ قلت: القطامي، قال: لله أبوه! وإذا الشيخ الأخطل قال: يا شعبي إن لك فنوناً تفتن فيها، وإنما لي فن واحد وهو الشعر، فإن رأيت