النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ليس للمؤمن أن يذل نفسه؟ قال: فنزل ففتح الباب، ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاويةٍ من زوايا الغرفة. قال: فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت يد هارون إليه، فبكى وقال: أوه من كف ما أليهنا إن نجت غداً من عذاب الله! قال: قلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلامٍ تقي من قلبٍ تقي، فقال له: خذ لما جئنا له رحمك الله، فقال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد اللهن، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علي، فعد الخلافة بلاءً يا أمير المؤمنين وعددتها أنت وأصحابك نعمةً. فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله عز وجل فصم عن الدنيا وليكن إفطارك فيها الموت. وقال له محمد بن كعب القرظي: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أباً، وأوسطهم عندك أخاً، وصغيرهم عندك ولداً، فوقر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك. وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت؛ ثم إني لأقول لك هذا وإني أخاف عليك أشد الخوف يوم القيامة، يوم تزل الأقدام. فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء من يأمرك بمثل هذا؟
قال: فبكى هارون بكاءً شديداً حتى غشي عليه؛ فقلت: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا بن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا! ثم أفاق فقال: رحمك الله زدني. فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز شكي إليه فكتب إليه عمر: يا أخي، اذكر طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، فإن ذلك يطرد بك إلى الرب نائماً ويقظاناً، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد ومنقطع الرجاء. فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له: ما أقدمك؟ قال خلعت قلبي بكتابك، لا وليت ولاية حتى ألقى الله. فبكى هارون بكاءً