وحسن صنيع الله تعالى إليهم، ويذمان نفوسهما فيما يجب لله تعالى عليهما؛ فقال أحدهما لصاحبه: يا أخي قد تحدثنا في العلم، فتعال نعامل الله به. فيكون لعلمنا فائدة ومنفعة. فعزما على أن لا يتناولا شيئاً مسته أيدي بني آدم ولا ما للخليقة فيه صنع. قال أبو الحارث: فقلت وأنا معكما، فقالا: فخرجنا من طرسوس وجئنا إلى جبل لكام، فأقمنا فيه ما شاء الله تعالى. قال أبو الحارث: أما أنا فضعفت نفسي وقام العلم بين عيني إن مت على ما انا عليه مت ميتة الجاهلية. فتركت صاحبي بالكام سنة ورجعت إلى طرسوس، ولزمت ما كنت أعرفه من صلاح نفسي، وأقام صاحبي باللكام سنة، فلما كان بعد مدة، دخلت المسجد فإذا أنا بأحد الفتيين جالساً في المسجد، فسلمت عليه فقال: يا أبا الحارث خنت الله تعالى في عهدك ولم تف به، أما إنك لو صبرت معنا أعطيت ثلاثة أحوال. وقد أعطينا. قلت: وما الثلاثة؟ قال: طي الأرض. والمشي على الماء، والحجبة إذا أردنا. واحتجب عني عقيب كلامه. فقلت: بالذي أوصلك إلى ما قد رأيت إلا ظهرت لي حتى أسالك عن مسألة: فظهر لي وقال: سل وأوجز، فقلت له: كيف لي بالرجوع إلى هذه الحالة؟ ترى إن رجعت قبلت؟ فقال: هيهات يا أبا الحارث، بعد الخيانة لا تقبل الأمانة فكوى قلبي بكيه. لا يخرج من قلبي حتى ألقى الله عز وجل.
قال أبو الحارث: رأيت إبليس في المنام على بعض سطوح أولاس وعلى يمينه جماعة وعلى يساره جماعة، وعليهم ثياب لطاف. فقال لطائفةٍ منهم: قولوا، فقالوا وغنوا، فاستفزني طيبه حتى تيممت أن أطرح نفسي من السطح، ثم قال: ارقصوا، فرقصوا أطيب ما يكون، ثم قال لي: يا أبا الحارث، ما أصيب شيئاً أدخل به عليكم إلا هذا.