وقال أبو الحارث: مكثت ثلاثين سنة ما يسمع لساني إلا من سري، ثم تغيرت الحال، فمكثت ثلاثين سنة لا يسمع سري إلا من ربي.
وقال أبو الحارث: رأيت إبليس له جمة شعر، وعلى حلقه شعر مثل شعر الكلب، فأقبلت عليه أتملقه وأقول له: ويحك! من أنا في هذا الخلق؟ خلني وربي لا تعترض فيما بيني وبين ربي، فقال: هيهات هيهات، كيف أخليك، وفيك وفي أبيك هلكت! لا، أو تهلكوا معلي، فأخذت برأٍه فجعلته على حجر، وأخذت بحلقه أخنقه ثم قلت: كيف أقدر على قتله وقد أخره الله إلى يوم القيامة، ولكن أرفق به، فجعلت أتملقه وهو يأبى، فقلت له: دلني على ما ينفعني، فقال: أدلك على السكر الطبرزذ بالرانج، وتمر برني والأزاذ بالزبد، وأدلك على الجبن الرطب، والمعقود والبط، والحملان، والجواذابات، وأدلك على الدراهم والدنانير أن تكثر منها. فقلت له: يا ملعون! أنا أسألك تدلني على شيءٍ ينفعني في أمر آخرتي تدلني على الدنيا! وما أصنع أنا بهذا وما حاجتي إليه؟ فقال: من ها هنا صار رأسي وخلقي في يدك تقلبه كيف شئت وتلعب به. قلت: قد أفدتني علماً لا جرم إني لأرجو أن لا أنال منها شيئاً إلا ما لاغناء بي عنه. فقال: إن تركتك فاصعد العقبة. قلت: فأين الله عز وجل؟ قال: في السماء وهو الذي سلطني عليك، فبه قويت عليك وعلى غيرك، وأما أنت فأستعين الله عليك بولد جنسك الذي زينت في أعينهم ما قبح في هينك، فأجابوني إليه، فبهم أستعين عليك فيأتونك من مأمنك.
توفي أبو الحارث الأولاسي الفيض بطرسوس، سنة سبعٍ وتسعين ومئتين.