للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنفذ أبا عبيد إليه، فأقام شهرين، فلما أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: أنا في جنبة رجل ما يحوجني إلى صلة غيره، فلا آخذ ما فيه علي نقص، فلما عاد إلى طاهر وصله بثلاثين ألف دينار بدل ما وصله أبو دلف، فقال له: أيها الأمير، قد قبلتها، ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرك وكفايتك عنها، وقد رأيت أن أشتري بها سلاحاً وخيلاً، وأوجه بها إلى الثغر، ليكون الثواب متوافراً على الأمير. ففعل.

قال أبو عبيد: كنت في تصنيف هذا الكتاب - يعني غريب الحديث - أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في موضعها من الكتاب، فأبيت ساهراً فرحاً مني بتلك الفائدة. وأحدكم يجيئني، فيقيم عندي أربعة أشهر، " أو " خمسة أشهر، فيقول: قد أقمت الكثير.

وأول من سمع هذا الكتاب من أبي عبيد يحيى بن معين. واستحسنه أحمد بن حنبل، وقال: جزاه الله خيراً، وكتبه.

وكان طاهر بن عبد الله ببغداد، فطمع في أن يسمع من أبي عبيد، وطمع أن يأتيه في منزله، فلم يفعل أبو عبيد حتى كان هذا يأتيه. فقدم علي بن المديني، وعباس العنبري، فأراد أن يسمعا " غريب الحديث "، فكان يحمل كل يوم كتابه، ويأتيهما في منزلهما، فيحدثهما فيه.

قال أبو عبيد القاسم ابن سلام: لأهل العربية لغةً، ولأهل الحديث لغةً، ولغة أهل العربية أقيس، ولا نجد بداً من اتباع لغة أهل الحديث من أجل السماع.

<<  <  ج: ص:  >  >>