صبحت غيقة قبل الشمس، كنت هادياً بالطريق، ولم أسلك المحاج، وخفت من الطلب، فتنكبت عنها، فلقيني رجل من قومي بغيقة، فقال: ما وراءك؟ قلت: لا شيء، قتلنا، وأسرنا، وانهزمنا! فهل عندك من حملان؟ قال: فحملني على بعير، وزودني زاد حتى لقيت الطريق بالجحفة، ثم مضيت حتى دخلت مكة، وإني لأنظر إلى الحيسمان بن حابس الخزاعي بالغميم، فعرفت أنه يقدم ينعي قريشاً بمكة، فلو أردت أن أسبقه لسبقته، فنكبت عنه حتى سبقني ببعض النهار، فقدمت، وقد انتهى إلى مكة خبر قتلاهم، وهم يلعنون الخزاعي، ويقولون: ما جاءنا بخير! فمكثت بمكة.
فلما كان بعد الخندق قلت: لو قدمت المدينة فنظرت ما يقول محمد، وقد وقع في قلبي الإسلام، فقدمت المدينة، فسألت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: هو ذاك في ظل المسجد مع ملأ من أصحابه، فأتيته وأنا لا أعرفه من بينهم، فسلمت، فقال:" يا قباث بن أشيم، أنت القائل يوم بدر: ما رأيت هذا الأمر فر منه إلا النساء؟ " فقلت أشهد أنك رسول الله، وأن هذا الأمر ما خرج مني إلى أحد قط، وما ترمرمت به إلا شيئاً حدثت به نفسي، فلولا أنك نبي ما أطلعك الله عليه، هلم حتى أبايعك. فعرض علي الإسلام، فأسلمت.
عن أبي سعيد قال: قال قباث: كنت في الوفد بفتح اليرموك، وقد أصبنا خيراً ونفلاً كثيراً، فمر بنا الدليل على ماء رجل قد كنت أتبعه في الجاهلية حين أدركت، وآنست من نفسي، لأصيب منه، وكنت دللت عليه - فذكر خبر ذلك الرجل وقد رد إلى أرذل العمر.