أراد القرض فليأت منزل سعد؛ فأقرض أربعين أو خمسين، وأجاز بالباقي، وكتب على من أقرضه صكاً. فمرض مرضاً قل عواده، فقال لزوجته: قريبة بنت أبي قحافة - أخت أبي بكر -: يا قريبة، لم ترين قل عوادي؟ قالت: للذي لك عليهم من الدين. فأرسل إلى كل رجل بصكه.
قال سفيان: أقرض قيس بن سعد رجلاً ثلاثين ألفاً، فجاء يقضيه، فقال له قيس: إنا قوم إذا أعطينا شيئاً لم نرجع فيه.
قال قيس بن سعد: تمنيت أن أكون في حال رجل رأيته؛ أقبلنا من الشام، فإذا نحن بخباء، فقلنا: لو نزلنا هاهنا، فإذا امرأة في الخباء، فلم نلبث أن جاء رجل بذود له، فقال لامرأته: من هؤلاء؟ قالت: قوم نزلوا بك، فجاء بناقة، فضرب عرقوبيها، ثم قال: دونكم، وقال: يا هؤلاء، انحروها. قال: فنحرناها، فأصبنا من أطايبها. فلما كان من الغد جاءنا بأخرى، فضرب عرقوبيها، وقال: يا هؤلاء، انحروها. قال: فنحرناها، فقلنا اللحم عندنا كما هو! قال: إنا لا نطعم أضيافنا الغاب. قال: فقلت لأصحابي: إن هذا الرجل إن أقمنا عنده لم يبق عنده بعير، فارتحلوا بنا. وقلت لقيمي: اجمع ما عندك، قال: ليس إلا أربعمائة درهم، قلت: هاتها، وهات كسوتي. فجمعناه، فقلت: بادروه، فدفعنا إلى امرأته، ثم سرنا، فلم نلبث أن رأينا شخصاً، فقلت: ما هذا؟ قالوا: لا ندري! فدنا، فإذا رجل على فرس يجر رمحه، فإذا صاحبنا، فقلت: واسوأتاه! استقل والله ما أعطيناه. قال: فدنا، فقال: دونكم متاعكم، فخذوه، فقلت: والله ما كان إلا ما رأيت، ولقد جمعنا ما كان عندنا، قال: إني والله لم أذهب حيث تذهبون، فخذوه، قلنا: فلا نأخذه، قال: والله لأميلن عليكم برمحي ما بقي منكم رجل أو تأخذونه، قال: فأخذناه، فولى وقال: إنا لا نبيع القرى.