امترى ثلاثة في الأجواد، فقال رجل: أسخى الناس عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وقال آخر: أسخى الناس في عصرنا هذا قيس بن سعد بن عبادة، وقال الثالث: أسخى الناس عرابة الأوسي. فتلاحوا، وأفرطوا، وكثر ضجيجهم في ذلك بفناء الكعبة، فقال لهم رجل: قد أكثرتم فلا عليكم يمضي كل واحد إلى صاحبه يسأله حتى ننظر ما يعطيه، ونحكم على العيان. فقام صاحب عبد الله بن جعفر، فصادفه وقد وضع رجله في غرز راحلته يريد ضيعة له، فقال له: يا ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: قل ما تشاء، قال: ابن سبيل، ومنقطع به. قال: فأخرج رجله من الغرز وقال: ضع رجلك واستو على الناقة، وخذ ما في الحقيبة، ولا تحد عن السف فأنه من سيوف علي بن أبي طالب، وامض لشأنك. قال: فجاء بالناقة والحقيبة فيها مطارف خز، وفيها أربعة آلاف دينار، وأعظمها وأجلها خطراً السيف.
ومضى صاحب قيس بن سعد بن عبادة، فلم يصادفه، وعاد، فقالت له الجارية: هو نائم، فما حاجتك إليه، قال: ابن سبيل، ومنقطع به، قالت: فحاجتك أيسر من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار، ما في دار قيس مال في هذا اليوم غيره، وصر إلى معاطن الإبل، إلى مولانا بغلامينا، فخذ راحلة مرحلة، وما يصلحها، وعبداً، وامض لشأنك. فقيل: إن قيساً انتبه من رقدته، فخبرته المولاة بما صنعت، فأعتقها، وقال لها: ألا أنبهتني فكنت أزيده من عروض ما في منزلنا، فلعل ما أعطيته لم يقع بحيث أراد.
ومضى صاحب عرابة الأوسي إليه، فألفاه وقد خرج من منزله يريد الصلاة، وهو متوكئ على عبدين، وقد كف بصره، فقال: يا عرابة، قال: قل ما تشاء؟ قال: ابن سبيل، ومنقطع به، قال: فخلى على العبدين، ثم صفق بيده اليمنى على اليسرى، ثم قال: أوه أوه، والله ما أصبحت، ولا ما أمسي، وقد تركت الحقوق لعرابة من مال، ولكن خذهما - يعني العبدين - قال: ما كنت بالذي أفعل، أقص جناحيك! قال: إن لم