معنا، أعطيت ثلاثة أحوال، وقد أعطينا. فقلت: وما الثلاثة؟ قال: طي الأرض، والمشي على الماء، والحجبة إذا أردنا. واحتجب عني عقيب كلامه. فقلت: بالذي أوصلك إلى ما قد رأيت إلا ظهرت لي حتى أسألك عن مسألة. فظهر لي وقال: سل يا أبا الحارث، وأوجز. فقلت: كيف لي بالرجوع إلى هذه الحالة؟ ترى إن رجعت قبلت؟ فقال: هيهات يا أبا الحارث! بعد الخيانة لا تقبل الأمانة. فكوى قلبي بكية لا تخرج من قلبي حتى ألقى الله، جل وعز.
قال أحمد بن علي الرستمي:
كان أبو بكر الفرغاني من أجل الصوفية، وكان من رسمه أنه يسيح، وكان معه كوز ضيق الرأس، فيه قميص نظيف رقيق. فإذا اشتهى دخول مدينة، تنظف، وتطهر، وأخرج ذلك القميص فلبسه. وكان يسافر بمفتاح منقوش، فإذا دخل المدينة، عمد إلى مسجد يصلي، فطرح المفتاح بين يديه. فكل من يراه، توهم أنه تاجر قد ترك بعض الخانات. فلا يفطن له إلا الخلصان من أولياء الله عز وجل. فدخل مصر مرة على هذا الزي، فعرف بها، واجتمع إليه الصوفية. فكان يوماً يتكلم عليهم، إذ عرض له خاطر السفر، فقام من مجلسه، وخرج معه نحو سبعين رجلاً من الصوفية فمشى في يومه فراسخ، لا يعرج إلى أحد، فيقطع من كان خلفه، وبقي منهم قليل، فالتفت إليهم فقال: كأني بكم وقد جعتم وعطشتم. فقالوا: نعم. فعدل إلى دير فيه صومعة لراهب، فلما دخلوا، أشرف الراهب على أصحابه فناداهم فقال: أطعموا رهبان المسلمين، فإن بهم قلة صبر على الجوع. فغضب من ذلك غضباً شديداً، ورفع رأسه إليه وقال: أيها الكافر، هل لك إلى خطة يتبين فيها الصابر من الجازع. قال: وما ذاك؟ قال: تنزل من صومعتك فتتناول من الطعام ما أحببت، ثم تدخل معي بيتاً، ونغلق علينا الباب، ويدلى إلينا من الماء قدر ما يتطهر به فأول من يظهر جزعه، ويستغيث من جوعه، ويستفتح الباب، يدخل في دين صاحبه كائناً من كان، على أني لم أذق من ثلاث ذواقاً. قال الراهب: