سمع أبو عبد الله بن خفيف يقول: دخلت دمشق، فقصدت الفقراء، وسلمت عليهم، وأحضر طعام، فمددت يدي معهم، وكان علي صوف مصري وعمامة كحلي، كان قد فتح علي قبل دخولي إلى دمشق بأيام، فتوهم واحد منهم أن معي معلوماً ولي يسار، فقال لي: ألا تستحي من الله؟ تأكل خبز الفقراء وأنت غني! قال: فقلت: ما علمت أن للفقراء خبزاً، ولو علمت ما أكلت. ثم أمسكت يدي. فسمع الدقي، فاستخف بالرجل استخفافاً شديداً، ثم عرفني إليهم، فجاء الرجل معتذراً، فقلت: يا أخي، إن خبز الفقراء لا مالك له، وإنما هو لمن يأكل، لأن الفقير لا يملك.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: محمد بن خفيف بن أسفكشاذ الضبي أبو عبد الله المقيم بشيراز كانت أمه نيسابورية، هو اليوم شيخ المشايخ، وتاريخ الزمان. لم يبق للقوم أقدم منه سناً، ولا أتم حالاً ووقتاً. صحب رويماً والجريري وأبا العباس بن عطاء، ولقي الحسين بن منصور. وهو اعلم المشايخ بعلوم الظاهر، متمسكاً بعلوم الشريعة من الكتاب والسنة، وهو فقيه على مذهب الإمام الشافعي..
وقال أبو نعيم الحافظ: ومنهم أبو عبد الله بن خفيف الحنيف الظريف، له الفصول في الأصول، والتحقق والتثبت في الوصول. لقي الأكابر والأعلام، صحب رويماً وأبا العباس بن عطاء وطاهر المقدسي وأبا عمر الدمشقي، وكان شيخ الوقت حالاً وعلماً. توفي سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة.