وقال أبو المظفر بن القشيري: أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي صحب رويماً والجريري وابن عطاء وغيرهم. مات سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة شيخ الشيوخ وواحد وقته. قال ابن خفيف: الإرادة استدامة الكد، وترك الراحة. وقال: ليس شيء أضر بالمريد من مسامحة النفس في قبول الرخص وقبول التأويلات. وسئل عن القرب فقال: قربك منه بملازمة الموافقات، وقربك منه بدوام التوفيق.
سمع أبو عبد الله يقول: كنت في ابتدائي بقيت أربعين شهراً أفطر كل ليلة بكف باقلى. فمضيت يوماً، واقتصدت، فخرج من عرقي شبيه ماء اللحم، وغشي علي، فتحير الفصاد، وقال: ما رأيت جسداً بلا دم إلا هذا! وسمع أيضاً يقول:
كنت في حال حداثتي استقبلني بعض الفقراء، فرأى في أثر الضر والجوع، فأدخلني داره، وقدم إلي لحماً طبخ بالكشك، واللحم متغير، فكنت آكل الثريد، وأتجنب اللحم لتغيره. ولقمني لقمة فأكلتها بجهد، ثم لقمني ثانية، فبلغته مشقة، فرأى ذلك مني؛ وخجل، وخجلت لأجله. فخرجت وانزعجت في الحال للسفر، فأرسلت إلى والدتي من يحمل إلي مرقعتي، فلم تعارض الوالدة، ورضيت بخروجي. فارتحلت من القادسية مع أحياء العرب، ولم نجد شيئاً، واضطررنا إلى أن اشترينا منهم كلباً بدنانير، وشووه، وأعطوني قطعة من لحمه. فلما أردت أكله، فكرت في حالي، فوقع لي أنه عقوبة خجل ذلك الفقير فتبت في نفسي، وسكت. ودلونا على الطريق، فمضيت، وحججت. ثم رجعت معتذراً إلى الفقير.