وقال: كنت أتردد إلى الشافعي، فاجتمع قوم من أصحابنا إلى أبي، فقالوا: يا أبا محمد، إن محمداً ينقطع إلى هذا الرجل، ويتردد إليه، فيرى الناس أن هذا رغبة عن مذهب أصحابه. فجعل أبي يلاطفهم فيقول: هو حدث، وهو يحب النظر في اختلاف أقاويل الناس ومعرفة ذلك. ويقول في السر: يا بني الزم هذا الرجل، فإنه عسى أن تخرج يوماً من هذا البلد، فتقول: ابن القاسم، فيقال لك: من ابن القاسم؟ وقال: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولوا لمحمد إذا جاء يأتينا المنزل، فإني لست أتغدى حتى يجيء، فربماجئته، فإذا قعدت معه على الغداء، قال: يا جارية اضربي لنا فالوذج. فلا تزال المائدة بين يديه حتى نفرغ منه ونتغدى.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق: سمعت سعد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: كان الشافعي ربما جاء راكباً إلى الباب، فيقول: ادع لي محمداً، فأدعوه، فيذهب معه إلى منزله، فيبقى عنده، ويقيل عنده.
قال أبو بكر: وهم أربعة إخوة: عبد الحكم وعبد الرحمن ومحمد وسعد، وكان محمد أعلم من رأيت على أديم الأرض بمذهب مالك بن أنس وأحفظهم، سمعته يقول: كنت أتعجب ممن يقول في المسائل: لا أدري. قال أبو بكر: أما الإسناد، فلم يكن يحفظه، وكان أعبدهم وأكثرهم اجتهاداً وصلاة سعد بن عبد الله. وكان محمد من أصحاب الشافعي، وممن يتعلم منه، فوقعت وحشة بينه وبين يوسف بن يحيى البويطي في مرض الشافعي الذي توفي فيه. فحدثني أبو جعفر السكري صديق الربيع قال: لما مرض الشافعي مرضه الذي توفي فيه جاء محمد بن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي، فقال البويطي: أنا أحق به منك، وقال ابن عبد الحكم: أنا أحق به منك. فجاء الحميدي، وكان في تلك الأيام بمصر، فقال: قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، فليس أحد من أصحابي أعلم منه. فقال له ابن عبد الحكم: كذبت! فقال له الحميدي: كذبت أنت