بذلك منه، ويزداد بصيرة فيه، وأنه دخل إليه يوماً، فقال له: ما لك؟ فقال: بالباب قوم ضعفاء، لو كتبت لهم بشيء. فقال: امض إلى موضع كذا لطاقة في بعض مقاصير القصر، فهنالك قرطاس تأتيني به حتى أكتب لهم بما رغبت فيه، فنهض إلى ذلك الموضع فوجد في طريقه في بعض تلك المقاصير حظية من حظايا الأمير، وقد خلا بها بعض الخدم، فسكت، وأخذ حاجته وانصرف إليه، فكتب له وخرج، وخشيت الحظية أن يسبقها بالقول، فأقبلت إلى الأمير من فورها، فأخبرته أن أحمد قد راودها عن نفسها، وذكرت له المكان الذي وجدها فيه، فوقع في نفسه صدقها من أجل إرساله إياه إلى ذلك الموضع، والرؤساء يفقدون عقولهم عند أقل شيء يسمعونه في الرئاسة أو في الحرم، وقلما يثبتون عندهما. فلما انصرف أحمد كتب له كتاباً إلى أحد خدمه يأمره فيه بقتل حامل الكتاب دون مشاورة، وأرسل أحمد به فخرج أحمد مسرعاً بالكتاب.
ورأته الحظية في بعض مجالسها فاستدعته، فأخبرها أنه مشغول بحاجة وأنه كلفه إياها الأمير، وأراها الكتاب، وهو لا يدري ما فيه. فقالت: لا عليك، أنا أرسل به، واقعد أنت فإني أحتاج إليك، واستدعت ذلك الخادم، فأرسلته بالكتاب إلى المأمور بحمله إليه، وشغلت هي أحمد بكتاب شيء بين يديها، وإنما شغلته ليزيد حنق السيد عليه، ونهض ذلك الخادم بالكتاب فامتثل فيه الأمر وأرسل بالرأس إليه، فلما رآه سأل عن أحمد، فاستدعاه وقال: أخبرني بالصدق، ما الذي رأيت في طريقك إلى الموضع الذي أرسلتك إليه غير القرطاس. فقال: ما رأيت شيئاً. فقال: والله إن لم تخبرني لأقتلنك. فأخبره. وسمعت الحظية بقتل الخادم، فجرت إلى مولاها مرنبة ذليلة تطلب العفو، وهي تظن أن الأمر قد صح عند مولاها فقال لها: أخبريني بالحق، فبرأت أحمد، وتبين له صحة الأمر، فأمر بقتلها، وحظي أحمد عنده، حتى ولاه الأمر بعده.
حدث أبو عيسى محمد بن أحمد بن القاسم اللؤلؤي أن طولون رجل من طغرغز، وأن نوح بن أسد عامل بخارى أهداه إلى المأمون في جملة رقيق حمله إليه في سنة مئتين، وولد له ابنه أحمد سنة عشرين ومئتين. ومات طولون