طومارين، فقرئ الكتاب على الناس عند المنبر، فلما فرغوا وافترق الناس اجتمع إلى سعيد بن المسيب جلساؤه، فقال لهم سعيد: ما كان في كتابهم؟ ليت أنا وجدنا من يعرف لنا ما فيه؛ فجعل الرجل من جلسائه يقول: فيه كذا، ويقول الآخر: فيه كذا؛ فكأن سعيداً لم يشتف فيما سأل عنه، فبان ذلك لابن شهاب، فقال: أتحب أن تسمع كل ما فيه؟ قال: نعم؛ قال: فأمسك، فهذه عليه هذا كأنما كان في يده يقرؤه حتى أتى عليه كله.
قال مالك بن أنس: حدثني الزهري بحديثٍ طويلٍ فلم أحفظه، فتلقاني على حمارٍ، فأخذت بلجامه فسألته عن الحديث؛ فقال: أليس قد حدثتكم به؟ قلنا: بلى؛ قال مالك: فأردت أن أستخرجه، قلت: أما كنت تكتب؟ قال: لا؛ قلت: أما كنت تستعيد؟ قال: لا؛ وفي حديث، قال: ما استعدت حديثاً قط؛ وفي حديث آخر؛ قال: فجعل عبد الرحمن بن مهدي يعجب، يقول: فذيك الطوال وتلك المغازي.
قال مالك بن أنس: حدث الزهري بمئة حديثٍ ثم التفت إلي فقال: كم حفظت يا مالك؟ قلت: أربعين حديثاً؛ قال: فوضع يده على جبهته ثم قال: إنا لله كيف نقص الحفظ.
قال ابن شهاب: لقيني سالم كاتب هشام بن عبد الملك فقال: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تكتب لولده حديثك؛ قال: فقلت له: لو سألتني عن حديثين أتبع أحدهما الآخر ما قدرت على ذلك، ولكن ابعث إلي كاتباً أو كاتبين فإنه قل يومٌ لا يأتيني قومٌ يسألوني عما لم أسأل عنه بالأمس؛ فبعث إلي كاتبين فاختلفا إلي سنةً على دينها؛ قال: ثم لقيني فقال: يا أبا بكر