حتى تبلغ فؤاده وهو حي؛ قال: وما لأهل النار راحةٌ غير العويل والبكاء.
قال عباد المنقري: قرأت على محمد بن المنكدر آخر الزمر، فبكى الشيخ بكاءً غير متباكٍ؛ ثم قال: حدثني عبد الله بن عمر قال: قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر الزمر وهو على المنبر، فتحول المنبر من تحته مرتين.
كان محمد بن المنكدر يجلس مع أصحابه، وكان يصيبه صماتٌ، فكان يقوم ويضع خده على قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يرجع، فعوتب في ذلك فقال: إنه يصيبني خطرةٌ، فإذا وجدت ذلك استغثت بقبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان يأتي موضعاً من المسجد في السحر، يتمرغ فيه، ويضطجع، فقيل له في ذلك، فقال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الموضع؛ أراه قال: في النوم.
قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنةً حتى استقامت.
وكان محمد بن المنكدر يستقرض ويحج؛ فقيل: أتستقرض وتحج؟ قال: نعم، أرجو قضاءها.
وكان يحج كل سنةٍ، ويحج معه عددٌ من أصحابه؛ فبينا هو يوماً في منزلٍ من منازل مكة إذ قال لغلامٍ له: اذهب فاشتر لنا كذا؛ فقال الغلام: ما أصبح عندنا درهمٌ فما فوقه؛ قال: اذهب فإن الله يأتي به؛ قال: من أين؟ قال: سبحان الله؛ ثم رفع صوته بالتلبية، وكذا أصحابه الذين معه؛ وكان إبراهيم بن هشام قد حج تلك السنة، فسمع أصواتهم، فقال: ما هؤلاء؟ فقيل له: محمد بن المنكدر وأصحابه حجوا، ومحمد يحتمل مؤونتهم ويحملهم فقال: ما بد من أن يعان محمدٌ على هذا الذي يصنع؛ فبعث إليه بأربعة آلاف درهم من ساعته، فدفعها محمد إلى غلامه، وقال له: ألم أقل لك: اشتر لنا ما أمرتك فإن الله يأتي بهذا؟ وقد أتانا الله بما ترى.