باسمه محمداً لاستحسانه إياه، فانكسر؛ ونهضت الجارية فانصرفت، فقال لي: يا عم فنيت الأيام وانقضت المدة؛ فإذا هاتفٌ يهتف من وراء دجلة " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " فقال: سمعت يا عم؟ فقلت: يا سيدي ما سمعت شيئاً؛ ثم قمت فجلست في بعض الحجر؛ فعاد صوت الهاتف " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " فما خرجت الجمعة حتى قتل محمد الأمين.
وأدركت أمه خلافته، وكانت لها آثارٌ جميلةٌ في طريق مكة، وفي مكة، وبقيت بعده؛ وكان الرشيد عقد له العهد في أول خلافته في سنة خمسٍ وسبعين ومئة، بعدما عقد لمحمد سنين وصفى الأمر لمحمد الأمين سنتين وأشهراً، وكانت الفتنة والحرب بينه وبين المأمون سنتين وخمسة أشهرٍ، أول ذلك عند تسيير الجيوش مع علي بن عيسى بن ماهان من جهة محمدٍ من بغداد إلى خراسان لحرب المأمون، عند فساد الأمر بينه وبينه، وخلعه إياه من العهد الذي كان له بعد، وتوجيه المأمون بطاهر بن الحسين في الجيش ليلقى علي بن عيسى، ومحاربته، فوصل علي بن عيسى بمن معه إلى الري ووافاه طاهر بن الحسين بمن معه فالتقوا بأكناف الري، فقتل علي بن عيسى وانفض عسكره في سنة خمسٍ وتسعين ومئة، فقوي أمر المأمون عند ذلك بخراسان، وسلم عليه بالخلافة، وضعف أمر محمد؛ ولم يزل في إدبارٍ، وجيوش المأمون تدق أصحابه في البلاد وتنفيهم عنها وتغلب المأمون عليها، ويدعى له إلى أنصار طاهر بن الحسين صاحب جيش المأمون وهرثمة الأعين من الجانب الشرقي، إلى أن قتل محمد ببغداد سنة ثمانٍ وتسعين ومئة؛ وكان بين ورود طاهر إلى أكناف بغداد وإحاطته لمحمد وحصره إياه في مدينة أبي جعفر إلى يوم قتله أربعة عشر شهراً وتسعة عشر يوماً؛ ولم يبق في يد محمد من الدنيا شيءٌ في وقت قتله، غير الموضع الذي هو محصورٌ فيه، يخاطبه من معه فيه بالخلافة ويسلم عليه بإمرة المؤمنين؛ وسائر المواضع في يدي المأمون، قد غلب له عليها يدعى له بها؛ وكان محمد قد خلع بمدينة السلام قبل ورود طاهرٍ إليها على يدي الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان سنة ست وتسعين ومئة، وحبسه الحسين في قصر أبي جعفرٍ، وحبس معه أمه وولده، وأقام في محبسه يومين،