كتب ملك الروم كتاباً إلى المعتصم يتهدده فيه، فأمر بجوابه، فلما قرئ عليه الجواب لم يرضه، وقال للكاتب: اكتب؛ بسم الله الرحمن الرحيم؛ أما بعد؛ فقد قرأت كتابك، وسمعت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع " وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ".
قال الخطيب: غزا المعتصم بلاد الروم في سنة ثلاثٍ وعشرين ومئتين، فأنكى في العدو نكايةً عظيمةً، ونصب على عمورية المجانيق، وأقام عليها حتى فتحها، ودخلها عنوةً، فقتل فيها ثلاثين ألفاً وسبى مثلهم، وكان في سبيه ستون بطريقاً، وطرح النار في عمورية من سائر نواحيها فأحرقها، وجاء ببابها إلى العراق، وهو باقٍ إلى الآن، منصوبٌ على أبواب دار الخلافة، وهو الباب الملاصق مسجد الجامع في القصر.
وكان المعتصم قبل وصوله عمورية خرب ما مر به من قراهم، وهربت الروم في كل وجهٍ؛ وقيل: وخرب أنقرة، وتوجه قافلاً، فضرب رقاب أربعة آلافٍ ونيفٍ من الأسارى، ولم يزل يقتل الأسارى في مسيره ويحرق ويخرب حتى ورد بلاد الإسلام؛ وأتي فيها ببابك أسيراً، فأمر بقطع يديه ورجليه، وضرب عنقه، وصلبه في سنة ثلاثٍ وعشرين ومئتين؛ وكانت الروم أغارت على زبطرة في سنة اثنتين وعشرين ومئتين، فقتلوا وأسروا من وجدوا بها، وخربوها، فدخل قائدٌ له في جماعةٍ في درب الحديد، ودخل المعتصم من درب الصفصاف في جماعةٍ لم تدخل أرض الروم قبلهم، ولقي أفشين الطاغية، فظفره الله به، وولى الطاغية منهزماً مفلولاً، وسار المعتصم إلى عمورية، ووافاه أفشين عليها، فأسر وغنم وسبى ما لا يحصى عدده، وشعث حائطها، وحرق وخرب