الليل فلجأت إلى هضبةٍ في ستارتها أراك كباثٍ مخضوضلةٌ بأغصانها، كأن بريرها حب فلفلٍ في بواسق أقحوانٍ، وقد مضى من الليل ثلثه الأول، فغلبتني عيني، فرقدت، فإذا أنا بهاتفٍ يقول: من الرجز
وسنان أم تسمع ما أنبيكا ... فارحل هديت وابتغي دميكا
يفري قيام الآل والدلوكا ... حتى تحل منهلاً مسلوكا
بيثربٍ يحظى به سنوكا ... ائت رسولاً عبد المليكا
يدني إليه الحر والمملوكا ... ويقبل السوقة والملوكا
رسول صدقٍ يفرج الشكوكا
فاستيقظت لذلك، وأنشأت أقول: من الرجز
يا أيها الطائف والليل سحم ... ماذا الذي تدعو إليه وتلم
بين لنا عن صدق ما أنت زعم ... هل بعث الله رسولاً معتلم
يجلو عمى الضلال عنا والتهم ... من بعد عيسى في محنات الظلم
ينجي من الزيغ ويهدي من رغم
فقال: ألا إنه قد بطل زور وبعث نبي بالسرور؛ ثم انقطع عني الصوت، فلا حس ولا خبر؛ فبينا أنا أفكر في أمري، وما الذي سمعت من قول الهاتف إذ طلع عمود الصبح فأرغت بعيري، فإذا هو في شجرةٍ يميس ورقها ويهشم من أغصانها، فوثبت إليها فرمتها، ثم استويت على كورها، ثم أقبلت حتى اقتحمت وادياً، فإذا أنا بشجرةٍ عادية، وعينٍ خرارةٍ، وروضةٍ مدهامة، وإذا بقس بن ساعدة جالسٌ في أصل شجرةٍ، وقد ورد على الحوض سباعٌ كثير، فكلما ورد سبعٌ قبل صاحبه ضربه قس بن ساعدة بالقضيب، ثم قال: تنح، حتى يشرب الذي ورد قبلك؛ فلما رأيت ذلك ذعرت ذعراً شديداً؛ فقال لي: لا تخف؛ فإذا بقبرين وبينهما مسجدٌ؛ فقلت: ما هذان القبران؟ فقال: هذان قبرا أخوين كانا يعبدان الله في هذا المكان، فأنا مقيمٌ بينهما أعبد الله حتى ألحق بهما؛ فقلت: