كان مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري عاملاً للحجاج عل الحيرة، وكان صهراً له، فبلغه عنه شيء، فعزله، فلما ورد عليه قال: أنت القائل: " من الخفيف "
حبذا ليلتي بحيث نسقى ... قهوة من شرابنا ونغنى
حيث دارت بنا الزجاجة حتى ... يحسب الجاهلون أنا جننا
فمررنا بنسوة عطرات ... وسماع وقرقف فنزلنا
وقد مات للحجاج ابن، وأخ لمالك؛ فقال مالك: بل أنا القائل: " من الخفيف "
ربما قد لقيت أمس كئيباً ... أقطع الليل عبرة ونحيبا
أيها المشفق الملح حذاراً ... إن للموت طالباً ورقيبا
فضل ما بين ذي الغنى وأخيه ... أن يعار الغني ثوباً قشيبا
قال: فرقّ الحجاج لهذا الشعر حتى دمعت عيناه، ثم أمر بحبسه وأداء ما عليه، وبعث إلى أهل عمله: أن ارفعوا عليه كل شيء.
فقال بعضهم لبعض: هذا صهر الأمير، ويغضب عليه اليوم ويرضى عنه غداً، لا تتعرضوا له.
فلما دخلوا على الحجاج، دخل عليه شيخ منهم، فسأله، فقال: ما ولينا عامل أعف عن أشعارنا وأبشارنا وأموالنا منه. فضرب ثلاثمئة سوط: ثم دعا بقية أصحابه، فسألهم عنه، فلما رأوا ما أصاب الشيخ رفعوا عليه كل شيء؛ فقال الحجاج: ما تقول يا مالك فيما يقول هؤلاء؟ قال أصلح الله الأمير، مثلي ومثلك ومثل هؤلاء ومثل المضروب مثل أسد كان يخرج إلى الصيد، فصحبه ذئب وثعلب، فخرجوا يتصيدون،