عن حكم الوادي، قال: قال الوليد بن يزيد بن عبد الملك لجلسائه من المغنين: إني لأشتهي غناء أطول من أهزاجكم، وأقصر من الغناء الطويل. قالوا جميعاً: قد أصبته يا أمير المؤمنين، بالمدينة رجل يقال له مالك بن أبي السمح الطائي حليف لقريش، وهذا غناؤه، وهو أحسن الناس خلقاً، وأحسنهم حديثاً، قال: أرسلوا إليه.
فأرسل إليه، فشخص حتى وافاه وهو بالشام، بدمشق.
قال: فلما دخلنا عليه دخل معنا، فقال له الوليد: غنه. فاندفع، فضرب، فلم يطاوعه خلقه، ولم يصنع قليلاً ولا كثيراً. فقال له الوليد: قم فاخرج.
قال: وأقبل علينا يعنفنا؛ وقال: ما تزالون تغرونني بالرجل وتزعمون بعض ما أشتهيه حتى أدخله وأطلعه على ما لم أكن أحب أن يطلع عليه أحد، ثم لا أجد عنده ما أريد. فقلنا له: يا أمير المؤمنين، والله ما كذبنا، ولكن عسى الرجل تغير بعدنا.
قال: ولم نزل حتى استرسل، وطابت نفسه، وغنيناه حتى نام، وانصرفنا؛ فجعلنا طريقنا على مالك، فافترينا عليه، وكدنا نتناوله. فقال: ويحكم، دخلتني هيبة منعتني من الغناء ومن الكلام الذي أردته، فأعيدوني إليه فإني أرجو أن يرجع إلي خلقي وغنائي.
قال: فكلمنا الوليد، فدعا به، فكان الثانية أسوأ حالاً منه في الأولى، فصاح به أيضاً، فخرج، وفعلنا كفعلنا. قال: فقال: أعيدوني إليه، فامرأته طالق، وما يملك في سبيل الله إن لم أستنزله عن سريره إن هو أنصفني.
قال: فجئنا إلى الوليد فأخبرناه. قال: فقال: وعلي مثل يمينه إن هو لم يستنزلني أن انفذ فيه ما حلف به. فهو أعلم.
قال: فأتيناه، فأخبرناه بمقالة الوليد ويمينه. فقال: قد رضيت.
قال: فحضر معنا داراً يكون فيها إلى أن يدعى بنا، فمر به صاحب الشراب،