فأعطاه ديناراً على أن يأتيه بقدح جيشاني مملوءاً شراباً من شراب الوليد؛ فأتاه بقدح ثم بقدح ثم بقدح - بثلاثة أقداح - فأعطاه ثلاثة دنانير، ثم أدخلناه عليه، فقال له الوليد: هات. قال: فقال: لا والله أو ترجع إلي نفسي، وأطرب، وأرى للغناء موضعاً. قال: فذاك لك. قال: فاشرب يا أمير المؤمنين.
قال: فشرب، وجعل هو يشرب، ويغني المغنون، حتى إذا ثمل الوليد وثمل هو سل صوتاً فأحسنه، وجاء بما نعرف، فطربنا وطرب الوليد، وتحرك، وقال: اسقني يا غلام؛ فسقي، وتغنى مالك صوتاً آخر وجاء بالعجب؛ فقال له الوليد: أحسنت، أحسنت، أحسن الله إليك. فقال: الأرض الأرض يا أمير المؤمنين. قال: ذاك لك؛ ونزل، فحياه وأحسن إليه؛ ولم يزل معه حتى قتل الوليد.
قال الزبير بن بكار: ومما يروى لحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب في شبابه: " من المنسرح "
لا عيش إلا بمالك بن أبي الس ... مح فلا تلحني ولا تلم
أبيض كالسيف أو كما يلمع ال ... بارق في حالك الظلم
يصيب من لذة الكريم ولا ... يهتك حق الإسلام والكرم
يا رب ليل لنا كحاشية ال ... برد ويوم كذاك لم يدم
قد كنت فيه يا مالك بن أبي الس ... مح كريم الأخلاق والشيم
ليس يعاصيك إن رشدت ولا ... يجهل أي الترخيص في اللمم
عن أبي غسان، قال: كان سبب وفاة مالك بن أبي السمح أنه لما كبر ضم إليه رجل من قريش يقوم عليه، ففرش له سريراً، وخرق فيه خرقاً للوضوء، فأتته الجارية يوماً ببخور، فتبخر، فوقعت الجارية بقلبه، فأهوى إليها ليقبلها، وتنحت عنه، فسقط عن السرير، فاندقت عنقه، فمات.