خرجت مع أحمد بن أبي الحواري إلى رباط بيروت، فلم تزل الهدايا تجيئه من أول النهار إلى نصف النهار، ثم أقامني ففرقها إلى أن غابت الشمس، وقال لي: كن كذا يا حبيب لا تزد على الله ولا تدخر عنه، فلما كان في الليل خرجت معه إلى سور البلد، فسمع الحارس يقول: قل لزين الحنان: رد السلام، فصاح وسقط، وقال: قل لكل قلب يلحق حيث يشاء.
قال أحمد بن أبي الحواري: دخلت على بعض المتعبدين أعوده، فقلت: كيف تجدك؟ فقال: بحال شريفة، أسير كريم في حبس جواد مع أعوان صدق، والله لو لم يكن مما ترون لي عوض إلا ما أودع في قلبه من محبته لكنت حقيقاً على أن أدوم على الرضى عنه، وما الدنيا وما غاية البلاء فيها؟ هل هو إلا ما ترون بي من هذه العلة؟ وأوشك لئن استبد بي الأمر قليلاً لترحلني إلى سيدي، ولنعمت علةٌ رحلت بمحب إلى محبوب قد أضر به طول التخلف عنه.
قال أحمد بن أبي الحواري: لا دليل على الله سواه، وإنما العلم يطلب لآداب الخدمة.
قال أحمد بن أبي الحواري: صحبت أبا سليمان طول ما صحبته فما انتفعت بكلمة أقوى علي وأهدى لرشدي وأدل على الطريق من هذه الكلمة: قلت له في ابتداء أمري: أوصني فقال: أمستوصٍ أنت؟ قلت: إن شاء الله، قال: خالف نفسك في كل مراد لها فإنها الأمارة بالسوء، وإياك أن تحقر أحداً من المسلمين، واجعل طاعة الله دثاراً والخوف منه شعاراً، والإخلاص زاداً، والصدق جنة، واقبل مني هذه الكلمة الواحدة ولا تفارقها ولا تغفل عنها: إن منا استحى من الله عز وجل في كل أوقاته وأحواله وأفعاله بلغه إلى مقام الأولياء من عباده. قال: فجعلت هذه الكلمة أمامي، ففي كل وقت أذكرها وأطالب نفسي بها.
قال أحمد بن أبي الحواري: علامة حب الله حب طاعة الله. وقيل: حب ذكر الله، فإذا أحب الله العبد أحبه،