وختره، وانفتح الأمر في ذلك واستبان، تمارض الأسد ليقتنص الثعلبان، فجاءه قاصداً لعيادته، جارياً في خدمته على عادته، فوثب جورديك وبزغش موليا نور الدين فقتلا شاور، وأراحا العباد والبلاد من شره، وأما شاور فإنه أول من تولى القبض عليه، ومد يده الكريمة إليه بالمكروه، وصفا الأمر لأسد الدين وملك، وخلعت عليه الخلع، وحل واستولى أصحابه على البلاد، وجرت أموره على السداد، وظهر منه حميد السيرة وحسن الآثار، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
وظهرت كلمة أهل السنة بالديار المصرية، وخطب فيها للدولة العباسية بعد اليأس، وأراح الله من بها من الفتنة ورفع عنهم المحنة، فالحمد لله على ما منح، وله الشكر على ما فتح.
ومع ما ذكرت من هذه المناقب كلها، وشرحت من دقها وجلها، فهو حسن الخط والبنان، متأت لمعرفة العلوم بالفهم والبيان، كثير لمطالعتها، مائل إلى نقلها، مواظب حريص على تحصيل كتب الصحاح والسنن، مقتن لها بأوفر الأعواض والثمن، كثير المطالعة للعلوم الدينية، متبع للآثار النبوية، مواظب على الصلوات في الجماعات، مراع لأدائها في الأوقات، مؤد لفروضها ومسنوناتها، معظم لفقدها في جميع حالاتها، عاكف على تلاوة القرآن على ممر الأيام، حريص على فعل الخير من الصدقة والصيام، كثير الدعاء والتسبيح، راغب في صلاة التراويح، عفيف البطن والفرج، مقتصد في الإنفاق والخرج، متحري في المطاعم والمشارب والملابس، متبري من التباهي والتماري والتنافس، عري عن التجبر والتكبر، بريء من التنجم والتطير، مع ما جمع الله له من العقل المتين، والرأي الصويب الرصين، والاقتداء بسيرة السلف الماضين، والتشبه بالعلماء والصالحين، والاقتفاء لسيرة من سلف منهم في حسن سمعتهم، والتباع لهم في حفظ حالهم ووقتهم.
حتى روى حديث المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسمعه، وكان قد استجيز له ممن سمعه وجمعه، حرصاً منه على الخير في نشر السنة والتحديث، ورجا أن يكون ممن حفظ على الأمة أربعين حديثاً كما جاء في الحديث، فمن رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره.