ومتى تكررت الشكاية إليه من أحد ولاته، أمر بالكف عن أذى من تكلم بشكاته، فمن لم يرجع منهم إلى العدل، قابله بإسقاط المرتبة والعزل، فلما جمع الله له من شريف الخصال، تيسر له ما يقصده من جميع الأعمال، وسهل على يديه فتح الحصون والقلاع، ومكن له في البلدان والبقاع، حتى ملك حصن شيزر وقلعه دوسر، وهما من أحصن المعاقل والحصون، واحتوى على ما فيها من الذخر المصون، من غير سفك محجمة من دم في طلبهما، ولا قتل أحد من المسلمين بسببهما، وأكثر ما أخذه من البلدان، بتسلمه من أهله بالأمان، ووفى لهم بالعهود والأيمان، فأوصلهم إلى مأمنهم من المكان.
وإذا استشهد أحد من أجناده، حفظه في أهله وأولاده، وأجرى عليهم الجرايات، وولى من كان أهلاً منهم للولايات، وكلما فتح الله عليه فتحاً وزاده ولاية، أسقط عن رعيته قسطاً وزادهم رعاية، حتى ارتفعت عنهم الظلامات والمكوس، واتضعن في جميع ولايته الغرامات والنحوس، ودرت على رعاياه الأرزاق، ونفقت عندهم الأسواق، وحصل بينهم بيمنه الاتفاق، وزال ببركته العناد والشقاق، فإن فتكت شرذمة من الملاعين، فلما علمت منه من الرأفة واللين، ولو خلط لهم شدته بلينه، لخاف سطوته الأسد في عرينه.
فالله يحقن الدماء، ويسكن به الدهماء، ويديم له النعماء، ويبلغ مجده السماء، ويجري الصالحات على يديه، ويجعل منه واقية عليه، فقد ألقى أزمتنا إليه، وأحصى علم حاجتنا إليه.
ومناقبه خطيرة، وممادحه كثيرة، ذكرت منها غيضاً من فيض، وقليلاً من كثير، وقد مدحه جماعة من الشعراء، فأكثروا، ولم يبلغوا وصف آلائه بل قصروا، وهو قليل الابتهاج بالشعر، زيادة في تواضعه لعلو القدر.