للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجلست بحذاء الباب، فذهب عقلي، ونزلت الشمس، وكان يوماً حاراً، فلم ألبث أن جاء فتيان كأنهما صورتان على حمارين مصريين، فأذن لهما فدخلا ودخلت معهما، فظن صاحب المنزل أني جئت مع صديقيه، وظن صديقاه أن صاحب المنزل قد دعاني، وجيء بالطعام وأكلوا وغسلوا أيديهم، ثم قال لهم صاحب المنزل: هل لكم في فلانة؟ قالوا: إن تفضلت: فخرجت تلك الجارية بعينها، وقدامها وصيفة تحمل عوداً لها، فوضعته في حجرها، فغنت فطربوا وشربوا، وقالوا: لمن هذا يا ستنا؟ قالت: لسيدي مخارق. ثم غنت صوتاً آخر فطربوا وازداد طربهم، فقالوا: لمن هذا الصوت يا ستنا؟ فقالت: لسيدي مخارق. ثم غنت الثالث، فطربوا وهي تلاحظني وتشك في، فقالوا: لمن هذا يا ستنا؟ قالت: لسيدي مخارق.

قال: فلم أصبر، فقلت لها: يا جارية شدي يدك، فشدت أوتارها وخرجت عن إيقاعها الذي تقوى عليه، فدعوت بدواة وقضيب فغنيت الصوت الذي غنته أولاً، فقاموا فقبلوا رأسي.

قال أبي: وكان أحسن الناس صوتاً، وكان يوقع بالقضيب. ثم غنيت الثاني والثالث فجنوا، فكادت عقولهم تذهب، فقالوا: من أنت يا سيدنا؟ قلت: أنا مخارق. قالوا: فما سبب مجيئك؟ فقلت: طفيلي، أصلحكم الله، وخبرتهم خبري.

فقال صاحب البيت لصديقيه: قد تعلمان أني أعطيت بها ثلاثين ألف درهم فأبيت أن أبيعها وأردت الزيادة، وقد نقصت من ثمنها عشرة آلاف درهم. قال صديقاه: علينا عشرون ألفاً؛ وملكوني الجارية.

وقعد المعتصم فطلبني في منازل أبناء القواد فلم أصب، وتغيظ علي، وقعدت عندهم إلى العصر، وخرجت بها، فكلما مررت بموضع شتمتني فيه فقلت لها: يامولاتي أعيدي شتمك علي، فتأبى. فأحلف لتعيدنه. وأخذت بيدها حتى جئت بها إلى باب أمير المؤمنين، فدخلت ويدي في يدها، فلما رآني المعتصم سبني وشتمن، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تعجل علي، وحدثته، فضحك وقال: نكافئهم عنك يامخارق. فأمر لكل رجل منهم بثلاثين ألف درهم، وأمر لي بعشرة آلاف درهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>